responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 42
كَلَامِ الْكُلِّ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ أَدَائِهِ الْعِبَادَاتِ أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مُكَلَّفًا بِهَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُكَلَّفًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ عِبَادَاتِهِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَتَهَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.

(قَوْلُهُ: وَسُكْرٌ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ سُكْرٌ وَهُوَ سُرُورٌ يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَهُ؛ وَلِذَا بَقِيَ أَهْلًا لِلْخِطَابِ وَقِيلَ إنَّهُ يُزِيلُهُ وَتَكْلِيفُهُ مَعَ زَوَالِ عَقْلِهِ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ عَلَيْهِ وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الْعَقْلُ فِي الرَّأْسِ وَشُعَاعُهُ فِي الصَّدْرِ وَالْقَلْبِ فَالْقَلْبُ يَهْتَدِي بِنُورِهِ لِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ وَتَمْيِيزِ الْحَسَنِ مِنْ الْقَبِيحِ، فَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ خَلَصَ أَثَرُهَا إلَى الصَّدْرِ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُورِ الْعَقْلِ فَيَبْقَى الصَّدْرُ مُظْلِمًا فَلَمْ يَنْتَفِعْ الْقَلْبُ بِنُورِ الْعَقْلِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ سُكْرًا؛ لِأَنَّهُ سُكْرٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ هُنَا فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَالْيَنَابِيعِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالتَّبْيِينِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَعَزَاهُ مِسْكِينٌ إلَى شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ حَدَّهُ هُوَ حَدُّهُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ مَنْ حَصَلَ فِي مِشْيَتِهِ اخْتِلَالٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَشَرْحِ مِسْكِينٍ قَالُوا: وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَكْرَانَ، وَكَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَالٍ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ أَنَّ السُّكْرَ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ فَقَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ صَارَ فِي أَثْنَائِهَا إلَى حَالَةٍ لَوْ مَشَى فِيهَا يَتَحَرَّكُ.

(قَوْلُهُ: وَقَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ قَهْقَهَةٌ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قِهْ قِهْ وَقَهْقَةٌ بِمَعْنًى وَاصْطِلَاحًا مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوَّلًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا لَيْسَتْ حَدَثًا، فَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِهَا عُقُوبَةً وَزَجْرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي الْأَسْرَارِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَارِجًا نَجِسًا بَلْ هِيَ صَوْتٌ كَالْبُكَاءِ وَالْكَلَامِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ جَعَلَهَا حَدَثًا مَنَعَ جَوَازَ مَسِّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ وَمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عُقُوبَةً جَوَّزَ مَسَّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا هَكَذَا نُقِلَ الْخِلَافُ وَفَائِدَتُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ وَسَلَامَتِهِ مِمَّا يُقَالُ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ نَجَاسَةً وَلَا سَبَبَهَا وَمُوَافَقَةَ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهَا عَلَى مَا رَوَوْا لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ؛ وَلِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي قَهْقَهَةِ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّحُوا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا أَوْجَبَتْ إعَادَةَ الْوُضُوءِ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ وَالنَّائِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهَذَا يُرَجِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ سَوَّى فَخْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَلَامِ النَّائِمِ وَقَهْقَهَتِهِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَازِلِ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْقَهْقَهَةُ مِنْ النَّائِمِ مُفْسِدَةً لِلصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءَ، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا حَدَثًا لِلْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ فَتَبْقَى كَلَامًا بِلَا قَصْدٍ فَيُفْسِدُ كَالسَّاهِي بِهِ اهـ.
وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْمُبْتَغَى تَكَلُّمُ النَّائِمُ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ الْقَهْقَهَةَ كَلَامٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ قَهْقَهَةَ النَّائِمِ تُبْطِلُهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ احْتِيَاطًا وَكَذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي النَّاسِي كَوْنُهُ فِي الصَّلَاةِ فَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ فِي السَّاهِي وَالنَّاسِي رِوَايَتَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ النَّقْضِ أَنَّهُ كَالنَّائِمِ إذَا لَا جِنَايَةَ إلَّا بِالْقَصْدِ وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسُكْرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَ السُّكْرَ فَشَمِلَ السُّكْرَ مِنْ مُبَاحٍ لِقَوْلِهِمْ السُّكْرُ مِنْ مُبَاحٍ كَالْإِغْمَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ إلَخْ) فِيهِ كَمَا قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَالِغٍ إذْ لَوْ كَانَتْ حَدَثًا لَاسْتَوَى فِيهَا الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَيْضًا فِي كِتَابَةِ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا حِلُّ الطَّوَافِ بِهَذَا الْوُضُوءِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَإِلْحَاقُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي إلَخْ) أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ؛ وَلِذَا رَجَّحُوا عَدَمَ النَّقْضِ بِقَهْقَهَةِ النَّائِمِ اهـ.
لَكِنْ أَوْرَدَ أَنَّ فِيهِ تَبْعِيضَ الْأَحْكَامِ وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِبْطَالِهَا الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُ غَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِمُخَالَفَتِهَا لِلْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّ إبْطَالَهَا الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ بِهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الصَّلَاةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْحُرْمَةُ فَقَطْ مَعَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَهَذَا إبْطَالُ الْمَذْهَبِ لِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَرِدُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوبُ إعَادَةِ الْوُضُوءِ زَجْرًا مَعَ بَقَائِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا: إنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ سَوَّى فَخْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَلَامِ النَّائِمِ وَقَهْقَهَتِهِ) حِينَئِذٍ لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ هُنَا فَتَأَمَّلْ

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 42
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست