responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 144
وَالْمُحِيطِ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُقَيَّدًا بِالطَّبْخِ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بَعْدَمَا طُبِخَ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَعَ مِنْهُ تَنَاقُضٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ النَّارَ إذَا غَيَّرَتْهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَوَازِ شُرْبِهِ وَذَكَرَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ يُنْبِئُ عَنْهُ فَكَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ نَقْلَ الرِّوَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا تَنَاقُضَ حَيْثُ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَنْبِذَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ وَقْتٍ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِيهِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ جَزْمًا وَيُضِيفُ التَّيَمُّمَ إلَيْهِ اسْتِحْبَابًا وَالثَّانِيَةُ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ كَسُؤْرِ الْحِمَارِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَرَجَّحَهُ وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ وَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ قَوْلُهُ الْآخَرُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ أَبِي حَنِيفَةَ لِاخْتِلَافِ الْأَسْئِلَةِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّوَضُّؤِ بِهِ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْحَلَاوَةِ قَالَ يُتَيَمَّمُ وَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَسُئِلَ مَرَّةً إذَا كَانَ الْمَاءُ وَالْحَلَاوَةُ سَوَاءً قَالَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَسُئِلَ مَرَّةً إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَاءِ فَقَالَ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يُتَيَمَّمُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا هُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ مُوَافَقَةً لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الدَّالِّ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ «قَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ وَابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثُمَّ قَالَ لِيَقُمْ مَعَنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَحَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ نَفْسِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ وَخَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلِي خَطًّا وَقَالَ لَا تَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْخَطِّ، فَإِنَّك إنْ خَرَجْت مِنْهُ لَمْ تَلْقَنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ ذَهَبَ يَدْعُو الْجِنَّ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ لِي هَلْ مَعَك مَاءٌ أَتَوَضَّأُ بِهِ فَقُلْت لَا إلَّا نَبِيذُ التَّمْرِ فِي إدَاوَةٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى الْفَجْرَ» وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْعَمَلُ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهَا تَنْقُلُ التَّطْهِيرَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إلَى التُّرَابِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ لَيْسَ مَاءً مُطْلَقًا فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَرْدُودًا بِهَا لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ مَنْسُوخًا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ، فَإِنْ قِيلَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَمَلُ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَأَبُو زَيْد كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ النَّقَلَةِ؛ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ هَلْ كَانَ أَبُوك مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ فَقَالَ لَوْ كَانَ أَبِي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ لَكَانَ فَخْرًا عَظِيمًا وَمَنْقَبَةً لَهُ وَلِعَقِبِهِ بَعْدَهُ فَأَنْكَرَ كَوْنَ أَبِيهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ لَمَا خَفِيَ عَلَى ابْنِهِ وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةٌ تَامَّةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي انْتِسَاخِ هَذَا الْحَدِيثِ لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْسَخْ فَيَجِبُ احْتِيَاطًا قُلْنَا لَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ يَعْنِي أَنَّهَا تَكَرَّرَتْ قَالَ فِي التَّيْسِيرِ إنَّ الْجِنَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفْعَتَيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّفْعَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَلِمَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ كَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ قَالَ «الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وُضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ تَوَضَّئُوا بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُمْ كِبَارُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ مَعْمُولًا بِهِ وَبِمِثْلِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَبَهَ كَوْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ قُلْنَا فِي الْبَابِ مَا يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ هَذِهِ الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَقَوْلُهُ أَبُو زَيْدٌ مَجْهُولٌ قُلْنَا لَا بَلْ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَكَانَ مَعْرُوفًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ: أُثْبِتُ كَوْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِهِ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَيْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَالَةَ الْخِطَابِ وَالدَّعْوَةِ بَلْ كَانَ دَاخِلَ الْخَطِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست