responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 58
وَهَذَا أَعْظَمُ الْوَجْهَيْنِ بَلْوَى وَأَعَمُّهُمَا نَفْعًا وَجَدْوَى وَهَذَا يُقَابِلُ الْمُحْكَمَ وَمِثَالُهُ الْمُقَطَّعَاتُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفَهُّمِ مَعَانِيهَا وَحُكْمِهَا مَفْزَعٌ إلَى الْعَقْلِ فَلَوْ لَمْ يُبْتَلَ الْعَقْلُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْخَلَائِقِ لَاسْتَمَرَّ الْعَالَمُ فِي أُبَّهَةِ الْعِلْمِ عَلَى الْمُرُودَةِ، وَمَا اسْتَأْنَسَ إلَى التَّذَلُّلِ لِعِزِّ الْعُبُودَةِ.
وَالْحَكِيمُ إذَا صَنَّفَ كِتَابًا رُبَّمَا أَجْمَلَ فِيهِ إجْمَالًا وَأَبْهَمَ فِيمَا أَفْهَمَ مِنْهُ إشْكَالًا لِيَكُونَ مَوْضِعَ جَثْوَةِ التِّلْمِيذِ لِأُسْتَاذِهِ انْقِيَادًا فَلَا يُحْرَمَ بِاسْتِغْنَائِهِ بِرَأْيِهِ هِدَايَةً مِنْهُ وَإِرْشَادًا فَالْمُتَشَابِهُ هُوَ مَوْضِعُ جَثْوَةِ الْعُقُولِ لِبَارِئِهَا اسْتِسْلَامًا وَاعْتِرَافًا بِقُصُورِهَا وَالْتِزَامًا.
قَوْلُهُ (وَهَذَا أَعْظَمُ الْوَجْهَيْنِ بَلْوَى) أَيْ الْوَقْفُ عَنْ الطَّلَبِ أَعْظَمُ ابْتِلَاءً مِنْ الْإِمْعَانِ فِي الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ جُبِلَ عَلَى صِفَةٍ يَتَأَمَّلُ فِي غَوَامِضِ الْأَشْيَاءِ لِيَقِفَ عَلَى حَقَائِقِهَا فَكَانَ مَنْعُهُ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ الِابْتِلَاءَ بِالتَّرْكِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْجَوَارِحِ أَشَدُّ مِنْ الِابْتِلَاءِ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَائِلَةٌ إلَى الشَّهَوَاتِ فَكَانَ امْتِنَاعُهَا عَنْهَا أَشَقُّ عَلَيْهَا مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَمَلِ؛ وَلِهَذَا كَانَ ثَوَابُهُ أَجْزَلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ، «لَتَرْكُ ذَرَّةٍ مِمَّا نَهَى اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِهِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ابْتِلَاءَ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَوْلِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ» ، وَأَعَمُّهَا نَفْعًا أَيْ فِي الدُّنْيَا بِالْأَمْنِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزَّيْغِ وَالزَّلَلِ بِسَبَبِ الِاتِّبَاعِ، وَجَدْوَى أَيْ فِي الْآخِرَةِ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَعْظَمَ ابْتِلَاءً كَانَ الصَّبْرُ فِيهِ أَشَدَّ فَيَكُونُ الثَّوَابُ فِيهِ أَكْثَرَ، وَبَلْوَى وَجَدْوَى كِلَاهُمَا بِلَا تَنْوِينٍ كَدَعْوَى ثُمَّ الْخَلَفُ مَعَ كَوْنِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَسْلَمَ وَأَعَمَّ نَفْعًا عَدَلُوا عَنْهَا وَاشْتَغَلُوا بِتَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ لِظُهُورِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ بَعْدَ انْقِرَاضِ زَمَانِ السَّلَفِ وَتَمَسُّكِهِمْ بِالْمُتَشَابِهَاتِ فِي إثْبَاتِ مَذَاهِبِهِمْ الْبَاطِلَةِ فَاضْطَرَّ الْخَلَفُ إلَى إلْزَامِهِمْ وَإِبْطَالِ دَلَائِلِهِمْ فَاحْتَاجُوا إلَى التَّأْوِيلِ.
وَلِهَذَا قِيلَ طَرِيقَةُ السَّلَفِ أَسْلَمُ وَطَرِيقَةُ الْخَلَفِ أَحْكَمُ قَوْلُهُ (وَمِثَالُهُ الْمُقَطَّعَاتُ) أَيْ مِثَالُ الْمُتَشَابِهِ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ أَيْ الْحُرُوفُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُقَطَّعَ فِي التَّكَلُّمِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا عَنْ الْبَاقِي بِأَنْ يُؤْتَى بِاسْمِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى هَيْئَتِهِ كَقَوْلِهِ أَلِفْ لَامْ مِيمْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ " أَلَمْ " فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِيُفِيدَ الْمَعْنَى وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ؛ وَإِنْ كَانَ اسْمًا حَقِيقَةً لَكِنَّهَا تُسَمَّى حُرُوفًا بِاعْتِبَارِ مَدْلُولَاتِهَا تَجَوُّزًا، ثُمَّ قِيلَ هِيَ مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي لَمْ يُطْلِعْ اللَّهُ عَلَيْهِ الْخَلَائِقَ إلَّا مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا وَلَا يُطْلَبُ لَهَا التَّأْوِيلُ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ أَلْسُنِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي تَفْهَمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَأَلْسُنِ الطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا لَا يُطْلِعُنَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَعْرِفُهُ الرَّسُولُ بِتَعْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ إيَّاهُ، وَقِيلَ إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُتَشَابِهِ بَلْ هِيَ مِنْ جِنْسِ التَّكَلُّمِ بِالرَّمْزِ فَيُحْتَمَلُ التَّأْوِيلُ فَيُقْبَلُ كُلُّ تَأْوِيلٍ احْتَمَلَهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ لُغَةً وَلَا يَرُدُّهُ الشَّرْعُ وَلَا يُقْبَلُ تَأْوِيلَاتُ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَحْتَمِلُهَا ظَاهِرُ اللُّغَةِ وَأَكْثَرُهَا مُخَالَفَةً لِلْعَقْلِ وَالْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكٌ لِلْقُرْآنِ لَا تَأْوِيلٌ كَذَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ تَأْوِيلُ بَعْضِ السَّلَفِ مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ هَذِهِ الْحُرُوفَ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ؛ وَإِنْكَارٍ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَاقِينَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَأْوِيلُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالِاسْتِوَاءِ بَلْ كَانُوا يَزْجُرُونَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست