responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 267
فَإِنْ قِيلَ هَذَا صَحِيحٌ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَدِمُ بِصِفَةِ الْقُبْحِ فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ فَتَنْعَدِمُ لِمَا قُلْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ تَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ قِيلَ لَهُ قَدْ وَجَدْنَا الْمَشْرُوعَ يَحْتَمِلُ الْفَسَادَ بِالنَّهْيِ كَالْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ وَالطَّلَاقِ الْحَرَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعْنَاهُ وَكَذَا كَانَ الْبَيْعُ وَمَعْنَى الصَّوْمِ كَوْنُهُ صَوْمًا فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى الْبَيْعِ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَعْنَى لَمْ يَبْقَ لِلصُّورَةِ عِبْرَةٌ فَلَا يُسَمَّى صَوْمًا وَبَيْعًا إلَّا مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ صُورَةِ الْأَسَدِ أَسَدًا وَأَجَابَ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الْمُسْتَصْفَى عَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْمَ يُصْرَفُ إلَى مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ إلَّا مَا صَرَفَهُ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الشَّرْعِ وَقَدْ أَلْفَيْنَا عُرْفَ الشَّرْعِ فِي الْأَوَامِرِ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالْبَيْعُ لِمَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ أَمَّا فِي الْمَنْهِيَّاتِ فَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْعُرْفُ الْمُغَيِّرُ لِلْوَضْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ إقْرَائِك وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] .
وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَنَاهِي عَمَّا لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عُرْفُ اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ أَوْ تَعَارَضَ فِيهِ عُرْفُ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ وَنَقُولُ مَنْ صَامَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِد صَوْمُهُ وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ مَصْرُوفٌ إلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ حَمِيَّةً أَوْ لِعَدَمِ اشْتِهَاءٍ أَوْ عَدَمِ طَعَامٍ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِمْسَاكِ اللُّغَوِيِّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ وَلِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لَوْ كَانَ الصَّوْمَ اللُّغَوِيَّ فَلَا نَهْيَ إذًا عَنْ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ فَبَقِيَ ثَابِتًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفِعْلُ عِنْدَ النَّهْيِ كَانَ مُتَصَوَّرًا فَكَفَى ذَلِكَ لِصِحَّةِ النَّهْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَائِهِ مَشْرُوعًا بَعْدَ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ لِإِعْدَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ قَبْلِ الْمَنْهِيِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْأَمْرِ لِلْإِيجَادِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِهَاءُ بِالنَّهْيِ كَمَا فِي الْأَمْرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِبَقَائِهِ مَشْرُوعًا وَلَا يُقَالُ حَقِيقَةُ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَبِيحًا فِي ذَاتِهِ وَمُتَصَوَّرًا فِي نَفْسِهِ فَكَمَا قُلْتُمْ إنَّ انْتِفَاءَ التَّصَوُّرِ شَرْعًا مَعَ بَقَاءِ التَّصَوُّرِ مِنْ الْعَبْدِ يَجْعَلُهُ مَجَازًا فَكَذَلِكَ انْتِفَاءُ الْقُبْحِ عَنْ ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَانْصِرَافُهُ إلَى وَصْفِهِ يَجْعَلُ النَّهْيَ فِيهِ مَجَازًا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ مُوجِبُ النَّهْيُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ نَظَرًا إلَى ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ.
لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّهْيَ بِإِثْبَاتِ الْقُبْحِ فِي وَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَصِيرُ مَجَازًا بَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَعْدُ يَبْقَى وَاجِبَ الِانْتِهَاءِ مَعَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ إذَا وَرَدَ لِحُسْنٍ فِي غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَصِيرُ مَجَازًا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ كَالْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَالطَّهَارَةِ لَمْ يَصِرْ مَجَازًا بَلْ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ فَكَذَا هَذَا وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَثْبُتُ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ النَّهْيُ بَلْ يَثْبُتُ حَتَّى لَوْ أَقْدَمَ عَلَى بَيْعِ الرِّبَا مَثَلًا يَصِيرُ عَاصِيًا مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ حَرَامًا وَلَكِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا يَصْلُحُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْمِلْكِ إذْ لَا تَنَاقُضَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ حَرَّمْت الْبَيْعَ وَجَعَلْته سَبَبًا لِحُصُولِ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحْرِيمِ التَّعَرُّضُ لِعِقَابِ الْآخِرَةِ فَقَطْ دُونَ تَخَلُّفِ الثَّمَرَاتِ وَالْأَحْكَامِ عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مَجَازًا فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالُوا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَجَازًا فِي الْإِسْنَادِ مَعَ بَقَاءِ النَّهْيِ فِي ذَاتِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَا قَالُوا مَجَازًا فِي ذَاتِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَهُوَ غَيْرُ النَّهْيِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (فَإِنْ قِيلَ هَذَا صَحِيحٌ) أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ الْمَنْهِيِّ وَبَيْنَ الْفَسَادِ وَالْقُبْحِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَدِمُ وَتُوجَدُ بِصِفَةِ الْقُبْحِ وَالْفَسَادِ فَأَمَّا الْأَفْعَالُ الشَّرْعِيَّةُ فَتَنْعَدِمُ بِالْقُبْحِ لِمَا قُلْنَا مِنْ التَّنَافِي وَالتَّضَادِّ بَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْقُبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 267
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست