responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 259
احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ كُلِّ قِسْمٍ وَاجِبٌ لَا مَحَالَةَ إذْ الْحَقِيقَةُ أَصْلٌ فِي كُلِّ بَابٍ وَالنَّهْيُ فِي اقْتِضَاءِ الْقُبْحِ حَقِيقَةٌ كَالْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُسْنِ حَقِيقَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفِيدَةً لِلْأَحْكَامِ عَلَى مُقَابَلَةِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْفَسَادُ فَيُرَادِفُ الْبُطْلَانَ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَكِلَاهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَعِنْدَنَا هُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ لِلصَّحِيحِ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِيهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا اسْتَجْمَعَ أَرْكَانَهُ وَشَرَائِطَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا شَرْعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَيُقَالُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَصَوْمٌ صَحِيحٌ وَبَيْعٌ صَحِيحٌ إذَا وَجَدَ أَرْكَانَهُ وَشَرَائِطَهُ قَالَ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الصِّحَّةَ لَيْسَتْ بِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى التَّصَرُّفِ بَلْ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى ذَاتِهِ مِنْ وُجُودِ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ شَرْعًا وَالْفَاسِدُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي نَفْسِهِ فَائِتُ الْمَعْنَى مِنْ وَجْهٍ لِمُلَازَمَةِ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إيَّاهُ بِحُكْمِ الْحَالِ مَعَ تَصَوُّرِ الِانْفِصَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْبَاطِلُ مَا كَانَ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ إمَّا لِانْعِدَامِ مَعْنَى التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ أَوْ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةٍ لِلتَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصِّحَّةَ عِنْدَنَا قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُقَابَلَةِ الْفَاسِدِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ فَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى شَيْءٍ بِالصِّحَّةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَصْلًا وَبِخِلَافِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ فَالنَّهْيُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ عِنْدَنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ كَمَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَدَّاهُ فِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلِتَرَتُّبٍ الْأَحْكَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْفَسَادِ لُغَةً تَمَسَّكُوا بِأَنَّ السَّلَفَ فَهِمُوا الْفَسَادَ مِنْ النَّوَاهِي حَتَّى احْتَجَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]
وَاسْتَدَلَّتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى فَسَادِ عُقُودِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ» الْحَدِيثُ وَهُمْ أَرْبَابُ اللِّسَانِ فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لُغَةً وَلِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ لُغَةً وَالنَّهْيُ يُقَابِلُهُ فَيَقْتَضِي مَا يُقَابِلُهُ الصِّحَّةَ وَهُوَ الْبُطْلَانُ لِوُجُوبِ تَقَابُلِ أَحْكَامِ الْمُتَقَابِلَاتِ وَمَنْ قَالَ بِالْفَسَادِ شَرْعًا لَا لُغَةً قَالَ لَا دَلِيلَ فِي اللَّفْظِ عَلَى الْفَسَادِ إذْ لَوْ صَرَّحَ الشَّارِعُ وَقَالَ حَرَّمْت عَلَيْك اسْتِيلَادَ جَارِيَةِ الِابْنِ وَنَهَيْتُك عَنْهُ لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ إنْ فَعَلْت مَلَكْتهَا وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ وَحَرَّمْت عَلَيْك صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَكِنْ إنْ صُمْت خَرَجْت عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ لَمْ يَتَنَاقَضْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَرَّمْت عَلَيْك الصَّوْمَ وَأَمَرْتُك بِهِ أَوْ أَبَحْته لَك وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَمَسَّكُوا لِلْفَسَادِ بَلْ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ شَرْعًا.
وَبَيَانُهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَالنَّهْيُ فِي اقْتِضَاءِ الْقُبْحِ حَقِيقَةٌ كَالْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُسْنِ حَقِيقَةٌ يَعْنِي حَقِيقَةُ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْقُبْحِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا كَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ضَرُورَةِ حُكْمٍ لِلْآمِرِ وَالنَّاهِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ نَهْيُ الشَّارِعِ لَا يَقْتَضِي الْقَبْحَ يُكَذَّبُ الْقَائِلُ كَمَا لَوْ قِيلَ أَمْرُهُ لَا يَقْتَضِي الْحُسْنَ وَصِحَّةُ تَكْذِيبِ النَّافِي مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ وَلَوْ نَصَبْت حَقِيقَتَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ الْقُبْحِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ النَّهْيَ فِي اقْتِضَاءِ الْقُبْحِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَالْأَمْرِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُسْنِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَاتِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 259
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست