responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 211
وَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِهَلَاكِ الرَّأْسِ وَذَهَابِ الْغِنَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِصِفَةِ الْيُسْرِ بَلْ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ وَقِيَامِ صِفَةِ الْأَهْلِيَّةِ بِالْغِنَى، أَلَا تَرَى أَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ رَأْسِ الْحُرِّ وَلَا يَقَعُ بِهِ الْغِنَى وَوُجِدَ الْغِنَى بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَلَا يَقَعُ بِهَا الْيُسْرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ الْبَقَاءُ مُفْتَقِرًا إلَى دَوَامِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَقْتَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُعْدِمُ الْغَنَاءَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَبِهِ يَقَعُ أَهْلِيَّةُ الْإِغْنَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ نَفْسَ الِاسْتِطَاعَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ عَادَةً فَكَانَ مِلْكُهُمَا أَدْنَى مَا يُقْطَعُ بِهِ هَذَا السَّفَرُ، فَكَانَ أَيْ مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا شَرْطَ الْيُسْرِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ، وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ الْحَجُّ لَا يَجِبُ إلَّا بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَيَبْقَى بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَلَا يَتَيَسَّرُ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَإِنَّمَا يَتَيَسَّرُ بِهِمَا السَّفَرُ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ قُدْرَةُ الْأَدَاءِ وَلَا التَّيْسِيرُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْأَدَاءِ فَعُلِمَ أَنَّهُ شَرَطَ الْوُجُوبَ رَحْمَةً عَلَيْنَا.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَمَا أَنَّ الْحَجَّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِفَوَاتِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا يَسْقُطُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِهَلَاكِ الرَّأْسِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِسَبَبِهِ فَهَلَكَ، وَذَهَابُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ ابْتِدَاءً بِدُونِهِمَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْغَنَاءِ لِلْوُجُوبِ لَا لِتَيْسِيرِ الْأَدَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا يَسْتَقِيمُ إيجَابُهَا إلَّا عَلَى غِنًى كَمَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى مُؤْمِنٍ؛ لِأَنَّهَا مَا شُرِعَتْ إلَّا لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ خُصُوصًا هَذِهِ الصَّدَقَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ» ، فَلَوْ كَانَ الْفَقِيرُ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لَصَارَتْ مَشْرُوعَةً لِإِحْوَاجِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إغْنَاءِ الْفَقِيرِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِغْنَاءِ فَلَوْ اعْتَبَرَ هَذَا الْغَنَاءَ وَأَمَرَ بِالْإِغْنَاءِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ؛ لِأَنَّهُ ح يَصِيرُ مُحْتَاجًا إلَى الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ حَاجَةِ نَفْسِهِ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْمَسْأَلَةِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ حَاجَةِ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَانَ الصَّرْفُ إلَى نَفْسِهِ أَوْلَى بَلْ وَاجِبًا إنْ خَافَ الْهَلَاكَ عَلَيْهَا وَلِهَذَا شَرَطَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَمْلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَاعًا فَاضِلًا مِنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَيْلَتَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا مَا دُونَ النِّصَابِ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فِي الشَّرْعِ حَتَّى حَلَّ لِمَالِكِهِ الصَّدَقَةُ فَشَرَطْنَا النِّصَابَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْوُجُودِ شَرْعًا فَيَتَحَقَّقُ الْإِغْنَاءُ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فِي جَوَابِ مَا يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ الْإِغْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْإِغْنَاءُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ لَا الْإِغْنَاءُ الشَّرْعِيُّ فَلَا يَكُونُ الْغَنَاءُ الشَّرْعِيُّ شَرْطًا لِأَهْلِيَّتِهِ بِهِ إنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِغْنَاءِ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَبَقِيَ الْغَنَاءُ الْمَشْرُوطُ فِي جَانِبِ الْمُؤَدِّي مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الشَّرْعِ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْغَنَاءِ فِي الْمُؤَدِّي مَا ثَبَتَ نَصًّا وَإِنَّمَا ثَبَتَ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْإِغْنَاءِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ لَيْسَ الْغَنَاءَ الشَّرْعِيَّ فَأَنَّى يَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمُؤَدَّى بِهِ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَوْلَى.
قَوْلُهُ (بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمَهْنَةِ) الْبِذْلَةُ بِالْكِسْرَةِ مَا يُبْتَذَلُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْمَهْنَةِ بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ وَالْكِسَائِيُّ الْمِهْنَةَ بِالْكَسْرِ وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْمَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الْخِدْمَةُ وَالِابْتِذَالُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبِذْلَةُ وَالْمِهْنَةُ تَرَادُفًا، وَقِيلَ: أَرَادَ بِثِيَابِ الْبِذْلَةِ ثِيَابَ الْجَمَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ وَبِالْمَهْنَةِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي غَيْرِهَا، فَإِذَا مَلَكَ مِنْ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمَهْنَةِ مَا يُسَاوِي نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَبِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ يَحْصُلُ أَصْلُ التَّمَكُّنِ وَالْغَنَاءِ فَأَمَّا صِفَةُ الْيُسْرِ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ النَّامِي لِيَكُونَ الْأَدَاءُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هَهُنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَوَلَانُ الْحَوْلِ الْمُحَقِّقِ لِلنَّمَاءِ بَلْ إذَا مَلَكَ نِصَابًا بِلَيْلَةِ الْفِطْرِ تَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْغَنَاءَ شَرْطُ التَّمَكُّنِ لَا شَرْطُ الْيُسْرِ فَلَا

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 211
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست