responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع - ط المدني المؤلف : عبد الوهاب خلاف    الجزء : 1  صفحة : 117
حال اضطراره؛ لأن الله سبحانه بعد أن يبين هذه المحرمات قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وهذا يقتضي رفع التحريم، ولو لم يأكل أو يشرب أثم. والمسافر سقطت عنه الأربع ولو صلى أربعا كانت الركعتان الأخيرتان نافلة وتطوعا لا من المفروض.
والحق أن النصوص التي شرعت الرخص لا يدل ظاهرها على هذا التفريق. فإن الله سبحانه قال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} . فكل محرم عند الضرورة يباح بلا تفريق بين محرم ومحرم. والقول بأنه عند الإكراه على إفطار رمضان يكون حكم العزيمة، وهو فرض الصيام باقيًا. وعند الاضطرار إلى أكل الميتة، أو شرب الخمر، لا يكون حكم العزيمة، وهو تحريمها باقيا. تفريق لا يظهر له وجه؛ لأن الإكراه نوع من الاضطرار؛ وفي الحالتين أبيح المحظور للضرورة، وكما قال سبحانه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ، قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وصريح قوله سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} . أن القصر مباح، ومقتضى أنه مباح أن الأخذ بالعزيمة هو إتمام الصلاة أربعا مباح أيضا، فكيف يقال: إن حكم العزيمة هنا غير قائم، وإن الرخصة في هذا رخصة إسقاط؟
فالذي يؤخذ من النصوص أن الرخص كلها شرعت للترفيه، والتخفيف عن المكلف بإباحة فعل المحرم، وأن حكم الحظر ودليله قائمان. ومعنى إباحة المحظور ترخيصا أنه لا إثم في فعله. وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فللمكلف أن يتبع الرخصة تخفيفا عن نفسه، وله أن يتبع العزيمة محتملا ما فيها من مشقة، إلا إذا كانت المشقة يناله من احتمالها ضرر، فإنه يجب عليه اتقاء الضرر، واتباع الرخصة لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ، والله سبحانه وتعالى يحب أن تتبع رخصه، كما يجب أن تؤتى عزائمه، لأنه سبحانه ما جعل على الناس في الدين من حرج.
ومما قدمناه في تعريف الرخصة وبيان أنواعها يظهر الوجه في عدها من أقسام الحكم الوضعي؛ لأن الحكم المشروع هو جعل الضرورة سببا في إباحة المحظور أو طروء العذر سببا في التخفيف بترك الواجب، أو دفع الحرج عن الناس سببا في تصحيح بعض عقود المعاملات بينهم، فهو في الحقيقة وضع أسباب لمسببات.

اسم الکتاب : علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع - ط المدني المؤلف : عبد الوهاب خلاف    الجزء : 1  صفحة : 117
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست