والحاصل أن ابن الحاجب إنما أخذ المناسبة الاصطلاحية، لا المناسبة المبدأة التي هي اللغوية، وكأن الشارح فهم المحدودة هي اللغوية انتهى.
قال العبادي: وأقول: "كل ذلك مندفع ... بأن المسلك هو الدليل على العلية، والمناسبة بمعنى موافقة الوصف للحكم وملاءمته له كذلك، لأنها تدل على عليته للحكم، وشأن الدليل وحقه اتصافه بكونه دليلاً وثبوت دلالته في نفس الأمر من غير اعتبار نظر المستدل فيه، وقبل وجود نظره فيه كما لا يخفى، والمناسبة بهذا المعنى كذلك، فكونها هي المسلك إن لم يتعين أو يترجح، فلا أقل من أن يصح.
ولعمر الله إنَّ ذلك في غاية الظهور بأدنى تأمل، فقولهما إنه لا يصح جعلها من المسالك باطل بلا شبهة، بل جعلها من المسالك صحيح قطعاً إن لم يكن متعيناً، أو أولى، ولأن المناسبة بين المعاني اللغوية، والمعاني الاصطلاحية مرعية، وهي على ما ذكره المصنف أتم وأقوى، إذ المعنى الاصطلاحي عليه الذي هو الملاءمة المخصوصة فرد من أفراد المعنى اللغوي وهو مطلق الملاءمة، فقد نقل اسم الشيء إلى فرده، بخلاف المعنى الاصطلاحي على ما ذكره ابن الحاجب الذي هو التعيين المذكور ليس من إفراد المعنى اللغوي وإن كان متضمناً له، ولأن التصرف على ما ذكره المصنف بقدر الحاجة إذ المناسبة الخاصة تكفي في الإثبات، فالاقتصار في النقل إليها أسهل، بخلافه على ما ذكره ابن الحاجب، ففيه زيادة على الحاجة على أننا بينا أنه يجوز أن يؤول كلام المصنف إلى جعل المسلك الاستخراج والتعيين"[1].
والحاصل أن ابن السبكي عبر عن هذا المسلك بالمناسبة والإخالة، وابن الحاجب عبر عنه بتخريج المناط.
وقد اتضح مما تقدم أنه لا مخالفة، لأن المناسبة هي دليل العلية، [1] انظر: الآيات البينات 4/87-88.