responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 90
إلَّا تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] .
فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّخْصِيصَ. قُلْنَا: قَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَغْيِيرِ اللَّفْظِ، كَيْفَ وَالتَّخْصِيصُ لَا يَسْتَدْعِي بَدَلًا مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَعْنَى الْكَلَامِ؟ الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: مَا اشْتَهَرَ فِي الشَّرْعِ مِنْ نَسْخِ تَرَبُّصِ الْوَفَاةِ حَوْلًا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَنَسْخِ فَرْضِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ أَمَامَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] وَمِنْهُ نَسْخُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] وَعَلَى الْجُمْلَةِ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ النَّسْخِ فِي الشَّرْعِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَاهُ نَسْخُ مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إلَى صُحُفِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى نَسْخِ الْكِتَابِ وَنَقْلِهِ. قُلْنَا: فَإِذًا شَرْعُنَا مَنْسُوخٌ كَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَهَذَا اللَّفْظُ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ، كَيْفَ وَقَدْ نُقِلْنَا مِنْ قِبْلَةٍ إلَى قِبْلَةٍ وَمِنْ عِدَّةٍ إلَى عِدَّةٍ؟ فَهُوَ تَغْيِيرٌ وَتَبْدِيلٌ وَرَفْعٌ قَطْعًا.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَسَائِلَ تَتَشَعَّبُ عَنْ النَّظَرِ فِي حَقِيقَةِ النَّسْخِ]
[مَسْأَلَةٌ نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِامْتِثَالِ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي مَسَائِلَ تَتَشَعَّبُ عَنْ النَّظَرِ فِي حَقِيقَةِ النَّسْخِ وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ. مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ عِنْدَنَا نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِامْتِثَالِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ فِي رَمَضَانَ حُجُّوا فِي هَذِهِ السَّنَةِ ثُمَّ يَقُولَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لَا تَحُجُّوا فَقَدْ نَسَخْتُ عَنْكُمْ الْأَمْرَ. أَوْ يَقُولَ: اذْبَحْ وَلَدَكَ: فَيُبَادِرَ إلَى إحْضَارِ أَسْبَابِهِ، فَيَقُولَ قَبْلَ ذَبْحِهِ: لَا تَذْبَحْ فَقَدْ نَسَخْتُ عَنْكَ الْأَمْرَ، لِأَنَّ النَّسْخَ عِنْدَنَا رَفْعٌ لِلْأَمْرِ أَيْ لِحُكْمِ الْأَمْرِ وَمَدْلُولِهِ وَلَيْسَ بَيَانًا لِخُرُوجِ الْمَنْسُوخِ عَنْ لَفْظِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ، فَلَوْ قَالَ: صَلُّوا أَبَدًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ بَعْدَ سَنَةٍ وُجُوبَ الصَّلَاةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ الدَّلَالَةَ عَلَى جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَلَكِنْ بِمَعْنَى قَطْعِ حُكْمِ اللَّفْظِ بَعْدَ دَوَامِهِ، إذْ كَانَ دَوَامُهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ النَّسْخِ، فَكُلُّ أَمْرٍ مُضَمَّنٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُنْسَخَ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: صَلُّوا أَبَدًا مَا لَمْ أَنْهَكُمْ وَلَمْ أَنْسَخْ عَنْكُمْ أَمْرِي.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُقِلَ نَسْخُ الْحَجِّ قَبْلَ عَرَفَةَ وَنَسْخُ الذَّبْحِ قَبْلَ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ حَاصِلٌ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا بِشَرْطِ التَّمَكُّنِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّرْطِ ثَابِتٌ، وَلِذَلِكَ يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِامْتِثَالِ. وَلَمَّا لَمْ تَفْهَمْ الْمُعْتَزِلَةُ هَذَا أَنْكَرُوا ثُبُوتَ الْأَمْرِ بِالشَّرْطِ كَمَا سَيَأْتِي فَسَادُ مَذْهَبِهِمْ فِي كِتَابِ الْأَوَامِرِ. وَأَقْرَبُ دَلِيلٍ عَلَى فَسَادِهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْوِي الْفَرْضَ وَامْتِثَالَ الْأَمْرِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَرُبَّمَا يَمُوتُ فِي أَثْنَائِهَا وَقَبْلَ تَمَامِ التَّمَكُّنِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلُ لَمْ يُتَبَيَّنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بَلْ نَقُولُ كَانَ مَأْمُورًا بِأَمْرٍ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ وَالْأَمْرُ الْمُقَيَّدُ بِالشَّرْطِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَهُمْ يَقُولُونَ: إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ عَلِمْنَا انْتِفَاءَ الْأَمْرِ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّا كُنَّا نَتَوَهَّمُ وُجُوبَهُ.
فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعٌ لِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَلِذَلِكَ أَحَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا حَسَنًا قَبِيحًا مَكْرُوهًا مُرَادًا مَصْلَحَةً مَفْسَدَةً، وَجَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ قَدْ أَبْطَلْنَاهُ.

وَلَكِنْ يَبْقَى لَهُمْ مَسْلَكَانِ.
الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَيْفَ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَمَأْمُورًا بِهِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ؟ وَفِي الْجَوَابِ عَنْهُ طَرِيقَتَانِ
الْأُولَى: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 90
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست