responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 9
الْخِطَابِ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ مِنْ حَيْثُ ضَرُورَةُ اللَّفْظِ وَاقْتِضَاؤُهُ فَيَتَضَمَّنُ جُمْلَةً مِنْ إشَارَاتِ الْأَلْفَاظِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، فَتَقُولُ: أَعْتَقْتُ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُصُولَ الْمِلْكِ لِلْمُلْتَمِسِ وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِهِ لَكِنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ مَلْفُوظِهِمَا وَمُقْتَضَاهُ. وَأَمَّا الدَّلَالَةُ مِنْ حَيْثُ مَعْقُولُ اللَّفْظِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَائِعِ وَالْمَرِيضِ وَالْحَاقِنِ بِمَعْقُولِ مَعْنَاهُ، وَمِنْهُ يَنْشَأُ الْقِيَاسُ وَيَنْجَرُّ إلَى بَيَانِ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْقِيَاسِ وَأَقْسَامِهِ. الْقُطْبُ الرَّابِعُ: فِي الْمُسْتَثْمِرِ، وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ وَفِي مُقَابَلَتِهِ الْمُقَلِّدُ، وَفِيهِ يَتَبَيَّنُ صِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ وَصِفَاتُ الْمُقَلِّدِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الِاجْتِهَادُ دُونَ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَالْقَوْلُ فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَجُمْلَةُ أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ. فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا ذُكِرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَقَدْ عَرَفْتَ كَيْفِيَّةَ انْشِعَابِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَقْطَابِ الْأَرْبَعَةِ

[بَيَانُ الْمُقَدِّمَةِ وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْأُصُولِ بِهَا]
اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ حَدُّ أُصُولِ الْفِقْهِ إلَى مَعْرِفَةِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ اشْتَمَلَ الْحَدُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ: الْمَعْرِفَةُ وَالدَّلِيلُ وَالْحُكْمُ فَقَالُوا: إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ حَتَّى كَانَ مَعْرِفَتُهُ أَحَدَ الْأَقْطَابِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ مَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْرِفَةِ، أَعْنِي الْعِلْمَ. ثُمَّ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ لَا وُصُولَ إلَيْهِ إلَّا بِالنَّظَرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّظَرِ فَشَرَعُوا فِي بَيَانِ حَدِّ الْعِلْمِ وَالدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى تَعْرِيفِ صُوَرِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَكِنْ انْجَرَّ بِهِمْ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى إثْبَاتِ الْعِلْمِ عَلَى مُنْكِرِيهِ مِنْ السُّوفُسْطائيَّةِ وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى النَّظَرِ عَلَى مُنْكِرِي النَّظَرِ وَإِلَى جُمْلَةٍ مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُومِ وَأَقْسَامِ الْأَدِلَّةِ، وَذَلِكَ مُجَاوَزَةٌ لِحَدِّ هَذَا الْعِلْمِ وَخَلْطٌ لَهُ بِالْكَلَامِ، وَإِنَّمَا أَكْثَرَ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ لِغَلَبَةِ الْكَلَامِ عَلَى طَبَائِعِهِمْ فَحَمَلَهُمْ حُبُّ صِنَاعَتِهِمْ عَلَى خَلْطِهِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ، كَمَا حَمَلَ حُبُّ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى مَزْجِ جُمْلَةٍ مِنْ النَّحْوِ بِالْأُصُولِ فَذَكَرُوا فِيهِ مِنْ مَعَانِي الْحُرُوفِ وَمَعَانِي الْإِعْرَابِ جُمَلًا هِيَ مِنْ عِلْمِ النَّحْوِ خَاصَّةً، وَكَمَا حَمَلَ حُبُّ الْفِقْهِ جَمَاعَةً مِنْ فُقَهَاءِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ كَأَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَتْبَاعِهِ عَلَى مَزْجِ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ تَفَارِيعِ الْفِقْهِ بِالْأُصُولِ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أَوْرَدُوهَا فِي مَعْرِضِ الْمِثَالِ وَكَيْفِيَّةِ إجْرَاءِ الْأَصْلِ فِي الْفُرُوعِ فَقَدْ أَكْثَرُوا فِيهِ وَعُذْرُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذِكْرِ حَدِّ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالدَّلِيلِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَظْهَرُ مِنْ عُذْرِهِمْ فِي إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى إثْبَاتِهَا مَعَ الْمُنْكِرِينَ، لِأَنَّ الْحَدَّ يُثَبِّتُ فِي النَّفْسِ صُوَرَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا أَقَلَّ مِنْ تَصَوُّرِهَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ يَتَعَلَّقُ بِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ لِمَنْ يَخُوضُ فِي الْفِقْهِ.
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَحُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ فَذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ أُصُولِ الْفِقْهِ، فَذِكْرُ حُجِّيَّةِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ عَلَى مُنْكِرِيهِ اسْتِجْرَارُ الْأُصُولِ إلَى الْفُرُوعِ. وَبَعْدَ أَنْ عَرَّفْنَاكَ إسْرَافَهُمْ فِي هَذَا الْخَلْطِ فَإِنَّا لَا نَرَى أَنْ نُخْلِيَ هَذَا الْمَجْمُوعَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْفِطَامَ عَنْ الْمَأْلُوفِ شَدِيدٌ وَالنُّفُوسُ عَنْ الْغَرِيبِ نَافِرَةٌ، لَكِنَّا نَقْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي جُمْلَةِ الْعُلُومِ مِنْ تَعْرِيفِ مَدَارِكِ الْعُقُولِ وَكَيْفِيَّةِ تَدَرُّجِهَا مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ إلَى النَّظَرِيَّاتِ عَلَى وَجْهٍ يَتَبَيَّنُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالدَّلِيلِ وَأَقْسَامُهَا وَحُجَجُهَا تَبْيِينًا بَلِيغًا تَخْلُو عَنْهُ مُصَنَّفَاتُ الْكَلَامِ.

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 9
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست