responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 74
نَكُ مِنْ الْمُصَلِّينَ أَيْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ عَرَفُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَلَامَةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» أَيْ: الْمُؤْمِنِينَ لَكِنْ عَرَّفَهُمْ بِمَا هُوَ شِعَارُهُمْ. قُلْنَا: هَذَا مُحْتَمَلٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ لَا يُتْرَكُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِلْخَصْمِ. الدَّلِيلُ الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْله تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [الفرقان: 69] فَالْآيَةُ نَصٌّ فِي مُضَاعَفَةِ عَذَابِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا لَا كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. الدَّلِيلُ الثَّالِثُ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْذِيبِ الْكَافِرِ عَلَى تَكْذِيبِ الرَّسُولِ كَمَا يُعَذَّبُ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -.
وَهَذَا يَهْدِمُ مُعْتَمَدَهُمْ، إذْ قَالُوا: لَا تُتَصَوَّرُ الْعِبَادَةُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِهَا؟ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقَضَاءِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِحَالَةِ فِعْلِهِ فِي الْكُفْرِ وَمَعَ انْتِفَاءِ وُجُوبِهِ لَوْ أَسْلَمَ، فَكَيْفَ يَجِبُ مَا لَا يُمْكِنُ امْتِثَالُهُ؟ قُلْنَا: وَجَبَ حَتَّى لَوْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَعُوقِبَ عَلَى تَرْكِهِ، لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ عُفِيَ لَهُ عَمَّا سَلَفَ، فَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. وَلَا يَبْعُدُ نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِامْتِثَالِ، فَكَيْفَ يَبْعُدُ سُقُوطُ الْوُجُوبِ بِالْإِسْلَامِ؟ فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ إلَّا بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِسْلَامُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ هُوَ بِعَيْنِهِ مُسْقَطٌ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهِ ثُمَّ الْحُكْمُ بِسُقُوطِهِ.
قُلْنَا: لَا بُعْدَ فِي قَوْلِنَا اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ بِالْإِسْلَامِ وَسَقَطَ بِحُكْمِ الْعَفْوِ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةُ نَصٍّ، وَنُصُوصُ الْقُرْآنِ دَلَّتْ عَلَى عِقَابِ الْكَافِرِ الْمُتَعَاطِي لِلْفَوَاحِشِ، وَكَذَا الْإِجْمَاعُ دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ كَافِرٍ قَتَلَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ وَشَوَّشَ الدِّينَ وَبَيْنَ كَافِرٍ لَمْ يَرْتَكِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَوْجَبْتُمْ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُرْتَدِّ دُونَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ؟ قُلْنَا: الْقَضَاءُ إنَّمَا وَجَبَ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ فَيَتْبَعُ فِيهِ مُوجَبَ الدَّلِيلِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ قَدْ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَائِضِ وَلَمْ تُؤْمَرْ بِالْأَدَاءِ، وَقَدْ يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ مِنْ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ.
وَقَدْ اعْتَذَرَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ قَدْ الْتَزَمَ بِالْإِسْلَامِ الْقَضَاءَ وَالْكَافِرَ لَمْ يَلْتَزِمْ. وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَهُوَ لَازِمٌ، الْتَزَمَهُ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ. فَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِعَدَمِ الْتِزَامِهِ فَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لَمْ يَلْتَزِمْ الْعِبَادَاتِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورَاتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ.

[الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْقُطْبِ الْأَوَّلِ فِيمَا يَظْهَرُ الْحُكْمُ بِهِ فُصُولٍ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَسْبَابِ]
الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْقُطْبِ الْأَوَّلِ فِيمَا يَظْهَرُ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى سَبَبًا وَكَيْفِيَّةُ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَسْبَابِ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا عَسُرَ عَلَى الْخَلْقِ مَعْرِفَةُ خِطَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي كُلِّ حَالٍ لَا سِيَّمَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، أَظْهَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - خِطَابَهُ لِخَلْقِهِ بِأُمُورٍ مَحْسُوسَةٍ نَصَبَهَا أَسْبَابًا لِأَحْكَامِهِ وَجَعَلَهَا مُوجِبَةً وَمُقْتَضِيَةً لِلْأَحْكَامِ عَلَى مِثَالِ اقْتِضَاءِ الْعِلَّةِ الْحِسِّيَّةِ مَعْلُولَهَا، وَنَعْنِي بِالْأَسْبَابِ هَهُنَا أَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَضَافَ الْأَحْكَامَ إلَيْهَا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ مَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ بِتَكَرُّرِهِ فَجَدِيرٌ بِأَنْ يُسَمَّى سَبَبًا؛ أَمَّا مَا لَا يَتَكَرَّرُ كَالْإِسْلَامِ وَالْحَجِّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَكَذَا وُجُوبُ الْمَعْرِفَةِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ يَعْلَمُ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 74
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست