responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 7
إنَّمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْإِجْمَاعُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَالْأَدِلَّةُ هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَقَطْ وَقَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَثْبُتُ صِدْقُهُ وَكَوْنُهُ حُجَّةً فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.
فَإِذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِإِثْبَاتِ مَبَادِئِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ كُلِّهَا، فَهِيَ جُزْئِيَّةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكَلَامِ، فَالْكَلَامُ هُوَ الْعِلْمُ الْأَعْلَى فِي الرُّتْبَةِ إذْ مِنْهُ النُّزُولُ إلَى هَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ مِنْ شَرْطِ الْأُصُولِيِّ وَالْفَقِيهِ وَالْمُفَسِّرِ وَالْمُحَدِّثِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَّلَ عِلْمَ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّيِّ الْأَعْلَى كَيْفَ يُمْكِنُهُ النُّزُولُ إلَى الْجُزْئِيِّ الْأَسْفَلِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي كَوْنِهِ أُصُولِيًّا وَفَقِيهًا وَمُفَسِّرًا وَمُحَدِّثًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي كَوْنِهِ عَالِمًا مُطْلَقًا مَلِيئًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ الْجُزْئِيَّةِ إلَّا وَلَهُ مَبَادٍ تُؤْخَذُ مُسَلَّمَةً بِالتَّقْلِيدِ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ وَيُطْلَبُ بُرْهَانُ ثُبُوتِهَا فِي عِلْمٍ آخَرَ.
فَالْفَقِيهُ يَنْظُرُ فِي نِسْبَةِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ إلَى خِطَابِ الشَّرْعِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبُرْهَانِ عَلَى إثْبَاتِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّات لِلْمُكَلَّفِينَ فَقَدْ أَنْكَرَتْ الْجَبْرِيَّةُ فِعْلَ الْإِنْسَانِ وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ وُجُودَ الْأَعْرَاضِ وَالْفِعْلُ عَرَضٌ. وَلَا عَلَى الْفَقِيهِ إقَامَةُ الْبُرْهَانِ عَلَى ثُبُوتِ خِطَابِ الشَّرْعِ وَأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى كَلَامًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ هُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ ثُبُوتَ الْخِطَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتَ الْفِعْلِ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْلِيدِ وَيَنْظُرُ فِي نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْخِطَابِ فَيَكُونُ قَدْ قَامَ بِمُنْتَهَى عِلْمِهِ. وَكَذَلِكَ الْأُصُولِيُّ يَأْخُذُ بِالتَّقْلِيدِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ أَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ حُجَّةٌ وَدَلِيلٌ وَاجِبُ الصِّدْقِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي وُجُوهِ دَلَالَتِهِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهِ.
فَكُلُّ عَالِمٍ بِعِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّهُ مُقَلِّدٌ لَا مَحَالَةَ فِي مَبَادِئِ عِلْمِهِ إلَى أَنْ يَتَرَقَّى إلَى الْعِلْمِ الْأَعْلَى فَيَكُونَ قَدْ جَاوَزَ عِلْمَهُ إلَى عِلْمٍ آخَرَ.

[بَيَانُ كَيْفِيَّةِ دَوَرَان عِلْم الْأُصُول عَلَى الْأَقْطَابِ الْأَرْبَعَةِ]
بَيَانُ كَيْفِيَّةِ دَوَرَانِهِ عَلَى الْأَقْطَابِ الْأَرْبَعَةِ اعْلَمْ أَنَّك إذَا فَهِمْتَ أَنَّ نَظَرَ الْأُصُولِيِّ فِي وُجُوهِ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ اقْتِبَاسِ الْأَحْكَامِ مَنْ الْأَدِلَّةِ، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي الْأَحْكَامِ، ثُمَّ فِي الْأَدِلَّةِ وَأَقْسَامِهَا، ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ اقْتِبَاسِ الْأَحْكَامِ مَنْ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ فِي صِفَاتِ الْمُقْتَبِسِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَقْتَبِسَ الْأَحْكَامَ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ ثَمَرَاتٌ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ فَلَهَا صِفَةٌ وَحَقِيقَةٌ فِي نَفْسِهَا وَلَهَا مُثْمِرٌ وَمُسْتَثْمِرٌ وَطَرِيقٌ فِي الِاسْتِثْمَارِ.
وَالثَّمَرَةُ هِيَ الْأَحْكَامُ، أَعْنِي الْوُجُوبَ وَالْحَظْرَ وَالنَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ وَالْحُسْنَ وَالْقُبْحَ وَالْقَضَاءَ وَالْأَدَاءَ وَالصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ وَغَيْرَهَا وَالْمُثْمِرُ هِيَ الْأَدِلَّةُ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَقَطْ. وَطُرُقُ الِاسْتِثْمَارِ هِيَ وُجُوهُ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، إذْ الْأَقْوَالُ إمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى الشَّيْءِ بِصِيغَتِهَا وَمَنْظُومِهَا، أَوْ بِفَحْوَاهَا وَمَفْهُومِهَا وَبِاقْتِضَائِهَا وَضَرُورَتِهَا أَوْ بِمَعْقُولِهَا وَمَعْنَاهَا الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهَا.
وَالْمُسْتَثْمِرُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ. فَإِذَا جُمْلَةُ الْأُصُولِ تَدُورُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْطَابٍ:
الْقُطْبُ الْأَوَّلُ: فِي الْأَحْكَامِ، وَالْبُدَاءَةُ بِهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا الثَّمَرَةُ الْمَطْلُوبَةُ.
الْقُطْبُ الثَّانِي: فِي الْأَدِلَّةِ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَبِهَا التَّثْنِيَةُ إذْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَعْرِفَةِ الثَّمَرَةِ لَا أَهَمَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُثْمِرِ.
الْقُطْبُ الثَّالِثُ: فِي طَرِيقِ الِاسْتِثْمَارِ، وَهُوَ وُجُوهُ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: دَلَالَةٌ بِالْمَنْظُومِ، وَدَلَالَةٌ بِالْمَفْهُومِ، وَدَلَالَةٌ بِالضَّرُورَةِ وَالِاقْتِضَاءِ، وَدَلَالَةٌ بِالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ.
الْقُطْبُ الرَّابِعُ: فِي الْمُسْتَثْمِرِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي يَحْكُمُ بِظَنِّهِ، وَيُقَابِلُهُ الْمُقَلِّدُ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 7
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست