responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 67
بِالضَّرَرِ الَّذِي يُحْذَرُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ ضَرَرٍ مَحْذُورٍ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآدَمِيُّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لَا بِمَعْنَى أَنَّا نَتَحَقَّقُ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَعْجَزُ عَنْهُ قَبْلَ تَحْقِيقِ الْوَعِيدِ، لَكِنْ نَتَوَقَّعُ قُدْرَتَهُ وَيَحْصُل بِهِ نَوْعُ خَوْفٍ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا يَفْهَمُ الْخِطَابَ، فَلَا يَصِحُّ خِطَابُ الْجَمَادِ وَالْبَهِيمَةِ بَلْ خِطَابُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُقْتَضَاهُ الطَّاعَةُ وَالِامْتِثَالُ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ، وَشَرْطُ الْقَصْدِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ وَالْفَهْمُ لِلتَّكْلِيفِ، فَكُلُّ خِطَابٍ مُتَضَمِّنٌ لِلْأَمْرِ بِالْفَهْمِ، فَمَنْ لَا يَفْهَمُ كَيْف يُقَالُ لَهُ افْهَمْ؟ وَمَنْ لَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ كَالْجَمَادِ كَيْفَ يُكَلَّمُ؟ وَإِنْ سَمِعَ الصَّوْتَ كَالْبَهِيمَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَفْهَمُ، فَهُوَ كَمَنْ لَا يَسْمَعُ. وَمَنْ يَسْمَعُ وَقَدْ يَفْهَمُ فَهْمًا مَا، لَكِنَّهُ لَا يَعْقِلُ وَلَا يُثْبِتُ كَالْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَمُخَاطَبَتُهُ مُمْكِنَةٌ، لَكِنْ اقْتِضَاءُ الِامْتِثَالِ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَالْغَرَامَاتُ وَالنَّفَقَاتُ عَلَى الصِّبْيَانِ.
قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّكْلِيفِ فِي شَيْءٍ، إذْ يَسْتَحِيلُ التَّكْلِيفُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَلَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْغُرْمِ فِي ذِمَّتِهِمْ فَكَذَلِكَ الْإِتْلَافُ. وَمِلْكُ النِّصَابِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْحُقُوقِ فِي ذِمَّةِ الصِّبْيَانِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِخِطَابِ الْوَلِيِّ بِالْأَدَاءِ فِي الْحَالِ وَسَبَبٌ لِخِطَابِ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُحَالٍ إنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ " افْهَمْ " وَأَنْ يُخَاطَبَ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَعْقِلُ.
وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ فِي الذِّمَّةِ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي بِهَا يُسْتَعَدُّ لِقَبُولِ قُوَّةِ الْعَقْلِ الَّذِي بِهِ فَهْمُ التَّكْلِيفِ فِي ثَانِي الْحَالِ، حَتَّى إنَّ الْبَهِيمَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهَا أَهْلِيَّةُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ لَمْ تَتَهَيَّأ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى ذِمَّتِهَا. وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا أَوْ مُمْكِنًا أَنْ يَحْصُلَ عَلَى الْقُرْبِ، فَيُقَالُ: إنَّهُ مَوْجُودٌ بِالْقُوَّةِ، كَمَا أَنَّ شَرْطَ الْمَالِكِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةُ وَشَرْطَ الْإِنْسَانِيَّةِ الْحَيَاةُ.
وَالنُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ قَدْ يَثْبُتُ لَهَا الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْحَيَاةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ بِالْفِعْلِ وَلَكِنَّهَا بِالْقُوَّةِ إذْ مَصِيرُهَا إلَى الْحَيَاةِ؛ فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ مَصِيرُهُ إلَى الْعَقْلِ فَصَلُحَ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَصْلُحْ لِلتَّكْلِيفِ فِي الْحَالِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ.
قُلْنَا: مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ خِطَابَ الْوَلِيِّ وَيَخَافُ ضَرْبَهُ فَصَارَ أَهْلًا لَهُ، وَلَا يَفْهَمُ خِطَابَ الشَّارِع إذْ لَا يَعْرِفُ الشَّارِعَ وَلَا يَخَافُ عِقَابَهُ إذْ لَا يَفْهَمُ الْآخِرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا قَارَبَ الْبُلُوغَ عَقَلَ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الشَّرْعُ، أَفَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نُقْصَانِ عَقْلِهِ؟ قُلْنَا: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ يَتَّجِهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْفِصَالَ النُّطْفَةِ مِنْهُ لَا يَزِيدُهُ عَقْلًا لَكِنْ حُطَّ الْخِطَابُ عَنْهُ تَخْفِيفًا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ خَفِيٌّ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ عَلَى التَّدْرِيجِ فَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ بَغْتَةً عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَفْهَمُ بِهِ خِطَابَ الشَّرْعِ وَيَعْرِفُ الْمُرْسِلَ وَالرَّسُولَ وَالْآخِرَةَ، فَنَصَبَ الشَّرْعُ لَهُ عَلَامَةً ظَاهِرَةً.

[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ النَّاسِي وَالْغَافِلِ عَمَّا يُكَلَّفُ مُحَالٌ]
ٌ تَكْلِيفُ النَّاسِي وَالْغَافِلِ عَمَّا يُكَلَّفُ مُحَالٌ، إذْ مَنْ لَا يَفْهَمُ، كَيْفَ يُقَالُ لَهُ افْهَمْ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 67
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست