responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 65
بِهِ وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ. فَقَطَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِبُطْلَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ انْصِرَافُ النَّهْيِ عَنْ عَيْنِهِ وَوَصْفِهِ وَلَمْ يَرْتَضِ قَوْلَهُمْ إنَّهُ نَهْيٌ عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ بِالْأَكْلِ، فَإِنَّ الْأَكْلَ ضِدُّ الصَّوْم، فَكَيْفَ يُقَالُ لَهُ كُلْ أَيْ أَجِبْ الدَّعْوَةَ وَلَا تَأْكُلْ أَيْ صُمْ؟ وَالْآنَ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِل لَيْسَ عَلَى الْأُصُولِيِّ بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْفُرُوعِ، وَلَيْسَ عَلَى الْأُصُولِيِّ إلَّا حَصْرُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَبَيَانُ حُكْمِهَا فِي التَّضَادِّ وَعَدَمِ التَّضَادِّ.
وَأَمَّا النَّظَرُ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا مِنْ أَيِّ قِسْمٍ هِيَ فَإِلَى الْمُجْتَهِدِ، وَقَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ، وَقَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِظَنٍّ. وَلِيس عَلَى الْأُصُولِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَتَمَامُ النَّظَرِ فِي هَذَا بِبَيَانِ أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيَّهَا وَأَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَكْرُوهًا لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لِصِفَتِهِ، وَسَيَأْتِي.

[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ]
ِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ؟
وَلِلْمَسْأَلَةِ طَرَفَانِ أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى لِلْأَمْرِ صِيغَةً، وَمَنْ رَأَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ " قُمْ " غَيْرُ قَوْلِهِ " لَا تَقْعُدْ " فَإِنَّهُمَا صُورَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ إلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ " قُمْ " لَهُ مَفْهُومَانِ أَحَدُهُمَا طَلَب الْقِيَام، وَالْآخَر: تَرْكُ الْقُعُودِ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، فَالْمَعْنَيَانِ الْمَفْهُومَانِ مِنْهُ مُتَّحِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ فَيَجِبُ الرَّدُّ إلَى الْمَعْنَى.
وَالطَّرَفُ الثَّانِي: الْبَحْثُ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ، وَهُوَ أَنَّ طَلَبَ الْقِيَامِ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ طَلَبُ تَرْكِ الْقُعُودِ أَمْ لَا، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَرْضُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ كَلَامَهُ وَاحِدٌ هُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ فَلَا تَتَطَرَّقُ الْغَيْرِيَّةُ إلَيْهِ.
فَلْيُفْرَضْ فِي الْمَخْلُوقِ، وَهُوَ أَنَّ طَلَبَهُ لِلْحَرَكَةِ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ كَرَاهَةٌ لِلسُّكُونِ وَطَلَبٌ لِتَرْكِهِ؟ وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ. وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِمْ بِأَنْ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْآمِرَ بِالشَّيْءِ نَاهٍ عَنْ ضِدِّهِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اقْتِرَانِ شَيْءٍ آخَرَ بِأَمْرِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَاهٍ بِمَا هُوَ آمِرٌ بِهِ قَالَ: وَبِهَذَا عَلِمْنَا أَنَّ السُّكُونَ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ وَطَلَبُ السُّكُونِ عَيْنُ طَلَبِ تَرْكِ الْحَرَكَةِ، وَشَغْلُ الْجَوْهَرِ بِحَيِّزٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ عَيْنُ تَفْرِيغِهِ لِلْحَيِّزِ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ، وَالْقُرْبُ مِنْ الْمَغْرِبِ عَيْنُ الْبُعْدِ مِنْ الْمَشْرِقِ، فَهَلْ فِعْلٌ وَاحِدٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَشْرِقِ بُعْدٌ وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَغْرِبِ قُرْبٌ، وَكَوْنُ وَاحِدٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى حَيِّزٍ شَغْلٌ وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْآخَرِ تَفْرِيغٌ، وَكَذَلِكَ هَهُنَا طَلَبٌ وَاحِدٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى السُّكُونِ أَمْرٌ وَإِلَى الْحَرَكَةِ نَهْيٌ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ضِدًّا لَهُ أَوْ مِثْلًا أَوْ خِلَافًا، وَمُحَالٌ كَوْنُهُ ضِدًّا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَقَدْ اجْتَمَعَا، وَمُحَالٌ كَوْنُهُ مِثْلًا لِتَضَادِّ الْمِثْلَيْنِ، وَمُحَالٌ كَوْنُهُ خِلَافًا إذْ لَوْ كَانَ خِلَافًا لَجَازَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، إمَّا هَذَا دُونَ ذَاكَ أَوْ ذَاكَ دُونَ هَذَا؛ كَإِرَادَةِ الشَّيْءِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ لَمَّا اخْتَلَفَا تُصُوِّرَ وُجُودُ الْعِلْمِ دُونَ الْإِرَادَةِ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُجُودُ الْإِرَادَةِ دُونَ الْعِلْمِ، بَلْ كَانَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ، وَضِدُّ النَّهْيِ عَنْ الْحَرَكَةِ الْأَمْرُ بِهَا، فَلْنُجِزْ أَنْ يَكُونَ آمِرًا بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ مَعًا فَيَقُولُ: تَحَرَّكْ وَاسْكُنْ وَقُمْ وَاقْعُدْ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ مَنَعُوا تَكْلِيفَ الْمُحَالِ وَإِلَّا فَمَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ يُجَوِّزُ أَنْ يَقُولَ: اجْمَعْ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّ ضَرُورَةَ كُلِّ آمِرٍ بِالشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ نَاهِيًا عَنْ ضِدِّهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آمِرًا بِضِدِّهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَا آمِرًا

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 65
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست