responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 50
جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ إنْ فُتِحَ بَابُ الْأَوْهَامِ فَرُبَّمَا يَخْطِرْ لَهُ أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُهُ لَوْ شَكَرَهُ وَنَظَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَمَدَّهُ بِأَسْبَابِ النِّعَمِ فَلَعَلَّهُ خَلَقَهُ لِيُتْرِفَهُ وَلِيَتَمَتَّعَ، فَإِتْعَابُهُ نَفْسَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَمْلَكَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَلَهُمْ شُبْهَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُمْ: اتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ عَلَى حُسْنِ الشُّكْرِ وَقُبْحِ الْكُفْرَانِ لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ. وَذَلِكَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَهْتَزُّونَ وَيَرْتَاحُونَ لِلشُّكْرِ وَيَغْتَمُّونَ بِالْكُفْرَانِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ الْأَمْرَانِ فَالْمَعْصِيَةُ وَالطَّاعَةُ فِي حَقِّهِ سِيَّانِ؛ وَيَشْهَدُ لَهُ أَمْرَانِ
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَقَرِّبَ إلَى السُّلْطَان بِتَحْرِيكِ أُنْمُلَتِهِ فِي زَاوِيَةِ بَيْتِهِ وَحُجْرَتِهِ مُسْتَهِينٌ بِنَفْسِهِ وَعِبَادَةُ الْعِبَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَلَالِ اللَّهِ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِكِسْرَةِ خُبْزٍ فِي مَخْمَصَةٍ فَأَخَذَ يَدُورُ فِي الْبِلَادِ وَيُنَادِي عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ بِشُكْرِهِ كَانَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَلِكِ قَبِيحًا وَافْتِضَاحًا. وَجُمْلَةُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْدُورَاتِهِ دُونَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى خَزَائِنِ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّ خِزَانَةَ الْمَلِكِ تَفْنَى بِأَمْثَالِ تِلْكَ الْكَثْرَةِ لِتَنَاهِيهَا وَمَقْدُورَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَنَاهَى بِأَضْعَافِ مَا أَفَاضَهُ عَلَى عَبْدِهِ.
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُمْ حَصْرُ مَدَارِكِ الْوُجُوبِ فِي الشَّرْعِ يُفْضِي إلَى إفْحَامِ الرُّسُلِ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَظْهَرُوا الْمُعْجِزَاتِ قَالَ لَهُمْ الْمُدَّعُونَ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا النَّظَرُ فِي مُعْجِزَاتِكُمْ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَلَا يَسْتَقِرُّ الشَّرْعُ إلَّا بِنَظَرِنَا فِي مُعْجِزَاتِكُمْ، فَثَبِّتُوا عَلَيْنَا وُجُوبَ النَّظَرِ حَتَّى نَنْظُرَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ نَنْظُرْ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: مِنْ حَيْثُ التَّحْقِيقُ، وَهُوَ أَنَّكُمْ غَلِطْتُمْ فِي ظَنِّكُمْ بِنَا أَنَّا نَقُولُ اسْتِقْرَارُ الشَّرْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ النَّاظِرِينَ، بَلْ إذَا بُعِثَ الرَّسُولُ وَأُيِّدَ بِمُعْجِزَتِهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهَا إمْكَانُ الْمَعْرِفَةِ لَوْ نَظَرَ الْعَاقِلُ فِيهَا فَقَدْ ثَبَتَ الشَّرْعُ وَاسْتَقَرَّ وُرُودُ الْخِطَابِ بِإِيجَابِ النَّظَرِ، إذْ لَا مَعْنَى لِلْوَاجِبِ إلَّا مَا تَرَجَّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ بِدَفْعِ ضَرَرٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَوْهُومٍ، فَمَعْنَى الْوُجُوبِ رُجْحَانُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ وَالْمُوجَبُ هُوَ الْمُرَجَّحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُرَجِّحُ وَهُوَ الَّذِي عَرَّفَ رَسُولَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَ النَّاسَ أَنَّ الْكُفْرَ سُمٌّ مُهْلِكٌ وَالْمَعْصِيَةَ دَاءٌ وَالطَّاعَةَ شِفَاءٌ؛ فَالْمُرَجِّحُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالرَّسُولُ هُوَ الْمُخْبِرُ، وَالْمُعْجِزَةُ سَبَبٌ يُمَكِّنُ الْعَاقِلَ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ التَّرْجِيحِ، وَالْعَقْلُ هُوَ الْآلَةُ الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ صِدْقُ الْمُخْبِرِ عَنْ التَّرْجِيحِ، وَالطَّبْعُ الْمَجْبُولُ عَلَى التَّأَلُّمِ بِالْعَذَابِ وَالتَّلَذُّذِ بِالثَّوَابِ هُوَ الْبَاعِثُ الْمُسْتَحِثُّ عَلَى الْحَذَرِ مَنْ الضَّرَرِ. وَبَعْدَ وُرُودِ الْخِطَابِ حَصَلَ الْإِيجَابُ الَّذِي هُوَ التَّرْجِيحُ، وَبِالتَّأْيِيدِ بِالْمُعْجِزَةِ حَصَلَ الْإِمْكَانُ فِي حَقِّ الْعَاقِلِ النَّاظِرِ إذْ قَدَرَ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الرُّجْحَانِ، فَقَوْلُهُ: لَا أَنْظُرُ مَا لَمْ أَعْرِفْ وَلَا أَعْرِفُ مَا لَمْ أَنْظُرْ، مِثَالُهُ مَا لَوْ قَالَ الْأَبُ لِوَالِدِهِ: الْتَفِتْ فَإِنَّ وَرَاءَكَ سَبْعًا عَادِيًا هُوَ ذَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ إنْ غَفَلْتَ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا أَلْتَفِتُ مَا لَمْ أَعْرِفْ وُجُوبَ الِالْتِفَاتِ وَلَا يَجِبُ الِالْتِفَاتُ مَا لَمْ أَعْرِفْ السَّبْعَ وَلَا أَعْرِفُ السَّبْعَ مَا لَمْ أَلْتَفِتْ، فَيَقُولُ لَهُ: لَا جَرَمَ تَهْلَكُ بِتَرْكِ الِالْتِفَاتِ وَأَنْتَ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِأَنَّكَ قَادِرٌ عَلَى الِالْتِفَاتِ وَتَرْكِ الْعِنَادِ.
فَكَذَلِكَ النَّبِيُّ يَقُولُ: الْمَوْتُ وَرَاءَكَ وَدُونَهُ الْهَوَامُّ الْمُؤْذِيَةُ وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ إنْ تَرَكْتَ الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ، وَتَعْرِفُ ذَلِكَ بِأَدْنَى نَظَرٍ فِي مُعْجِزَتِي، فَإِنْ نَظَرْتَ وَأَطَعْتَ نَجَوْتَ وَإِنْ غَفَلْتَ وَأَعْرَضْتَ فَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ عَمَلِكَ، وَإِنَّمَا أَضْرَرْتَ بِنَفْسِكَ. فَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ لَا تَنَاقُضَ فِيهِ
الْجَوَابُ الثَّانِي: الْمُقَابَلَةُ بِمَذْهَبِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَضَوْا بِأَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الْمُوجِبُ، وَلَيْسَ يُوجِبُ بِجَوْهَرِهِ إيجَابًا ضَرُورِيًّا لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ أَحَدٌ، إذْ لَوْ كَانَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 50
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست