responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 40
كَلَامٍ وَاحِدٍ، مِثَالِ تَرْكِ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ لِوُضُوحِهَا، وَذَلِكَ غَالِبٌ فِي الْفِقْهِيَّاتِ وَالْمُحَاوَرَاتِ احْتِرَازًا عَنْ التَّطْوِيلِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ؛ لِأَنَّهُ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَتَمَامُ الْقِيَاسِ أَنْ تَقُولَ كُلُّ مَنْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ وَهَذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ " وَلَكِنْ تَرَكَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى لِاشْتِهَارِهَا.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ: الْعَالَمُ مُحْدَثٌ، فَيُقَالُ: لِمَ؟ فَيَقُولُ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ، وَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ جَائِزٍ فَلَهُ فَاعِلٌ وَالْعَالَمُ جَائِزٌ فَإِذًا لَهُ فَاعِلٌ ". وَيَقُولُ فِي نِكَاحِ الشِّغَارِ: هُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَتَمَامُهُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَهُوَ فَاسِدٌ وَالشِّغَارُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهُوَ إذًا فَاسِدٌ، وَلَكِنْ تَرَكَ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَوْضُوعُ النِّزَاعِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا لَتَنَبَّهَ الْخَصْمُ لَهَا فَرُبَّمَا تَرَكَهَا لِلتَّلْبِيسِ مَرَّةً كَمَا تَرَكَهَا لِلْوُضُوحِ أُخْرَى.
وَأَكْثَرُ أَدِلَّةِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ تَكُونُ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا لَمْ تَفْسُدَا. وقَوْله تَعَالَى: {إذًا لَابْتَغَوْا إلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42] وَتَمَامُهُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْتَغُوا إلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا.
وَمِثَالُ مَا يُتْرَكُ لِلتَّلْبِيسِ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ خَائِنٌ فِي حَقِّكَ، فَتَقُولُ: لِمَ؟ فَيُقَالُ لِأَنَّهُ كَانَ يُنَاجِي عَدُوَّكَ، وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَنْ يُنَاجِي الْعَدُوَّ فَهْو عَدُوٌّ وَهَذَا يُنَاجِي الْعَدُوَّ فَهُوَ إذًا عَدُوٌّ " وَلَكِنْ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَتَنَبَّهَ الذِّهْنُ بِأَنَّ مَنْ يُنَاجِي الْعَدُوَّ فَقَدْ يَنْصَحُهُ وَقَدْ يَخْدَعُهُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا. وَرُبَّمَا يَتْرُكُ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا تُخَالِطْ فُلَانًا، فَيَقُولُ: لِمَ؟ فَيُقَالُ: لِأَنَّ الْحُسَّادَ لَا يُخَالَطُونَ؛ وَتَمَامُهُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ: " إنَّ هَذَا حَاسِدٌ وَالْحَاسِدُ لَا يُخَالَطُ فَهَذَا إذًا لَا يُخَالَطُ ".
وَسَبِيلُ مَنْ يُرِيدُ التَّلْبِيسَ إهْمَالُ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي التَّلْبِيسُ تَحْتَهَا اسْتِغْفَالًا لِلْخَصْمِ وَاسْتِجْهَالًا لَهُ، وَهَذَا غَلَطٌ فِي النَّظْمِ الْأَوَّلِ وَيَتَطَرَّقُ ذَلِكَ إلَى النَّظْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، مِثَالُهُ قَوْلُكَ كُلُّ شُجَاعٍ ظَالِمٌ، فَيُقَالُ: لِمَ؟ فَيُقَالُ: لِأَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ شُجَاعًا وَظَالِمًا، وَتَمَامُهُ أَنْ يَقُولَ: " الْحَجَّاجُ شُجَاعٌ وَالْحَجَّاجُ ظَالِمٌ فَكُلُّ شُجَاعٍ ظَالِمٌ ". وَهَذَا غَيْرُ مُنْتِجٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ نَتِيجَةً عَامَّةً مِنْ النَّظْمِ الثَّالِثِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ إلَّا نَتِيجَةً خَاصَّةً.
وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ النَّظْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ هُوَ الْعِلَّةُ لِأَنَّهُ الْمُتَكَرِّرُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بَعْضَ الشُّجْعَانِ ظَالِمٌ، وَمِنْ هَهُنَا غَلِطَ مَنْ حَكَمَ عَلَى كُلِّ الْمُتَصَوِّفَةِ أَوْ كُلِّ الْمُتَفَقِّهَةِ بِالْفَسَادِ إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَنَظْمُ قِيَاسِهِ " أَنَّ فُلَانًا مُتَفَقِّهٌ وَفُلَانٌ فَاسِقٌ فَكُلُّ مُتَفَقِّهٍ فَاسِقٌ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمَ، بَلْ يَلْزَمُ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَفَقِّهَةِ فَاسِقٌ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا الْغَلَطِ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَرَى الْفَقِيهُ حُكْمًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَيَقْضِي بِذَلِكَ الْحُكْم عَلَى الْعُمُومِ، فَيَقُولُ مَثَلًا: الْبُرُّ مَطْعُومٌ وَالْبُرُّ رِبَوِيٌّ فَالْمَطْعُومُ رِبَوِيٌّ.
وَبِالْجُمْلَةِ مَهْمَا كَانَتْ الْعِلَّةُ أَخَصَّ مِنْ الْحُكْمِ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي النَّتِيجَةِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إلَّا نَتِيجَةٌ جُزْئِيَّةٌ وَهُوَ مَعْنَى النَّظْمِ الثَّالِثِ، وَمَهْمَا كَانَتْ الْعِلَّةُ أَعَمَّ مِنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأَخَصَّ مِنْ الْحُكْمِ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ كَانَ مِنْ النَّظْمِ الْأَوْلِ وَأَمْكَنَ اسْتِنْتَاجُ الْقَضَايَا الْأَرْبَعَةِ مِنْهُ، أَعْنِي الْمُوجَبَةَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ وَالنَّافِيَةَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ. وَمَهْمَا كَانَتْ الْعِلَّةُ أَعَمَّ مِنْ الْحُكْمِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ جَمِيعًا كَانَ مِنْ النَّظْم الثَّانِي وَلَمْ يُنْتِجْ مِنْهُ إلَّا النَّفْيَ، فَأَمَّا الْإِيجَابُ فَلَا. وَمِثَالُ الْمُخْتَلِطَاتِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ كُلِّ نَمَطٍ كَقَوْلِكَ: " الْبَارِي تَعَالَى إنْ كَانَ عَلَى الْعَرْشِ إمَّا مُسَاوٍ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ أَصْغَرُ وَكُلُّ مُسَاوٍ وَأَصْغَرَ وَأَكْبَرَ مُقَدَّرٌ وَكُلُّ مُقَدَّرٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَوْ لَا

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 40
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست