responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 381
نَصَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ دَلِيلًا مُعَرِّفًا أَوْ أَمَارَةً مُعْلَنَةً وَرُبَّمَا لَمْ يَنْصِبْ دَلِيلًا فَإِذًا قُوَّةُ الدَّلِيلِ الْمُعَرِّفِ بِكَوْنِهَا عِلَّةً لَيْسَ مِنْ شِدَّةِ التَّأْثِيرِ فِي شَيْءٍ، بَلْ فَسَّرُوا شِدَّةَ التَّأْثِيرِ بِوُجُوهٍ:
أَوَّلِهَا انْعِكَاسُ الْعِلَّةِ مَعَ اطِّرَادِهَا فَهِيَ أَوْلَى مِنْ شِدَّةِ الَّتِي لَا تَنْعَكِسُ عِنْدَ قَوْمٍ، إذْ دَوَرَانُ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِهَا وَوُجُودِهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ تَأْثِيرِهَا، كَشِدَّةِ الْخَمْرِ إذْ يَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَعَ كَوْنِهَا عِلَّةً دَاعِيَةً إلَى فِعْلِ مَا هِيَ عِلَّةُ تَحْرِيمِهِ، كَالشِّدَّةِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ دَاعِيَةٌ إلَى الشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِطْرَابِ وَالسُّرُورِ، فَهِيَ مَعَ تَأْثِيرِهَا فِي الْحُكْمِ أَثَّرَتْ فِي تَحْصِيلِ مَحَلِّ الْحُكْمِ وَهُوَ الشُّرْبُ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةً ذَاتَ وَصْفٍ وَاحِدٍ وَعَارَضَهَا عِلَّةٌ ذَاتُ أَوْصَافٍ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْوَصْفُ الْوَاحِدُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِهِ الْمُخَالِفَ لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ أَكْثَرُ فَكَانَ تَأْثِيرُهُ أَكْثَرَ فُرُوعًا فَهِيَ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا. وَقَالَ قَوْمٌ: ذَاتُ أَوْصَافٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ حَنِيفِيَّةٌ فَالْبَاقِي عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ أَكْثَرُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ وُقُوعًا فَهِيَ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فَتَكُونَ أَوْلَى، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَّةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ وُجُودِهَا أَمَّا حَيْثُ لَا وُجُودَ لَهَا كَيْفَ يُطْلَبُ تَأْثِيرُهَا.
الْخَامِسُ عِلَّةٌ يَشْهَدُ لَهَا أَصْلَانِ أَوْلَى مِمَّا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ عِنْدَ قَوْمٍ، وَهَذَا يَظْهَرُ إنْ كَانَ طَرِيقُ الِاسْتِنْبَاطِ مُخْتَلِفًا وَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيًا فَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْوَى ظَنُّ مُجْتَهِدٍ بِهِ وَتَكُونَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ لِلْخَبَرِ، مِثَالُهُ أَنَّا إذَا تَنَازَعْنَا فِي أَنَّ يَدَ السَّوْمِ لَمْ تُوجِبْ الضَّمَانَ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِلَّتُهُ أَنَّهُ أَخَذَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَعَدَّاهُ إلَى الْمُسْتَعِيرِ.
وَقَالَ الْخَصْمُ: بَلْ عِلَّتُهُ أَنَّهُ أَخَذَ لِيَتَمَلَّكَ فَيَشْهَدُ لِلشَّافِعِيِّ فِي عِلَّتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدُ الْغَاصِبِ وَيَدُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَلَا يَشْهَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا يَدُ الرَّهْنِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَغْلِبَ رُجْحَانُ عِلَّةِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ مُجْتَهِدٍ وَيَكُونَ كُلُّ أَصْلٍ كَأَنَّهُ شَاهِدٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ الرِّبَا إذَا عُلِّلَ بِالطَّعْمِ يَشْهَدُ لَهُ الْمِلْحُ أَيْضًا وَإِنْ عُلِّلَ بِالْقُوتِ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ.
الْعَاشِرُ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ الْعِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلْعُمُومِ الَّذِي مِنْهُ الِاسْتِنْبَاطُ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْمُخَصِّصَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَبَرَزَتْ عِلَّةٌ تَقْتَضِي إخْرَاجَ الْمُحْرِمِ وَالصَّغِيرَةِ مِنْ الْعُمُومِ وَبَرَزَتْ عِلَّةٌ أُخْرَى تُوَافِقُ الْعُمُومَ، فَاَلَّذِي يَنْفِي الْعُمُومَ لِمُجَرَّدِهِ حُجَّةٌ فَلَا أَقَلَّ مِنْ التَّرْجِيحِ بِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُخَصِّصَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا عَرَّفَتْ مَا لَمْ يُعَرِّفْ الْعُمُومُ فَأَفَادَتْ وَالْعِلَّةُ الْمُقَرِّرَةُ لِلْعُمُومِ لَمْ تُفِدْ مَزِيدًا فَكَانَتْ أَوْلَى كَالْمُتَعَدِّيَةِ فَإِنَّهَا أَوْلَى مِنْ الْقَاصِرَةِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَةَ قَرَّرَتْ الْمَلْفُوظَ وَأُلْحِقَ بِهِ الْمَسْكُوتُ وَأَفَادَتْ وَالْقَاصِرَةُ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا، حَتَّى قَالَ قَائِلُونَ: هِيَ فَاسِدَةٌ، فَتَخَيَّلَ قَوْمٌ لِذَلِكَ تَرْجِيحَ الْمُتَعَدِّيَةِ؛ وَلِيس ذَلِكَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا، وَأَمَّا الْمُخَصِّصَةُ فَخَالَفَتْ مُوجِبَ الْعُمُومِ فَكَانَتْ أَضْعَفَ مِنْ الَّتِي تُخَالِفُ.
الْحَادِيَ عَشَرَ تَرْجِيحُ الْعِلَّةِ بِكَثْرَةِ شَبَهِهَا بِأَصْلِهَا عَلَى الَّتِي هِيَ أَقَلُّ شَبَهًا بِأَصْلِهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الشَّبَهَ فِي الْوَصْفِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ، وَمَنْ رَأَى ذَلِكَ مُوجِبًا فَغَايَتُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَا يَجِبُ تَرْجِيحُ عِلَّتَيْنِ عَلَى عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَرَجَّحُ بِقُوَّتِهِ لَا بِانْضِمَامِ مِثْلِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَتَرَجَّحُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الثَّابِتِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُصُولِ
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: رَدُّ الشَّيْءِ إلَى

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 381
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست