responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 351
أَثْبَتَهُ قَاطِعٌ سَمْعِيٌّ فَهُوَ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ وَمَا لَمْ يُثْبِتْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ قَطْعًا وَلَا مَجَالَ لِلظَّنِّ فِيهِ.
وَإِنَّمَا اسْتَقَامَ هَذَا لَهُمْ لِإِنْكَارِهِمْ الْقِيَاسَ وَخَبَرَ الْوَاحِدِ، وَرُبَّمَا أَنْكَرُوا أَيْضًا الْقَوْلَ بِالْعُمُومِ وَالظَّاهِرِ الْمُحْتَمَلِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لَهُمْ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَمَا ذَكَرُوهُ وَهُوَ اللَّازِمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَيْهِ مَنْعُ الْمُقَلِّدِ مِنْ اسْتِفْتَاءِ الْمُخَالِفِينَ.
وَقَدْ رَكِبَ بَعْضُ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ رَأْسَهُ فِي الْوَفَاءِ بِهَذَا الْقِيَاسِ وَقَالَ: يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ النَّظَرُ وَطَلَبُ الدَّلِيلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَلِّدُ الْعَالِمَ أَصَابَ الْمُقَلَّدُ أَمْ أَخْطَأَ. وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْمَذْهَبِ دَلِيلَانِ:
الْأَوَّلُ: مَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَنُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَلَا فِيهَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ، وَالْأَدِلَّةُ الظَّنِّيَّةُ لَا تَدُلُّ لِذَاتِهَا وَتَخْتَلِفُ بِالْإِضَافَةِ
فَتَكْلِيفُ الْإِصَابَةِ لِمَا لَمْ يُنْصَبْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَإِذَا بَطَلَ الْإِيجَابُ بَطَلَ التَّأْثِيمُ، فَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ يُنْتِجُ نَفْيَ التَّكْلِيفِ وَنَفْيُ التَّكْلِيفِ يُنْتِجُ نَفْيَ الْإِثْمِ، وَلِذَلِكَ يُسْتَدَلُّ تَارَةً بِنَفْيِ الْإِثْمِ عَلَى نَفْيِ التَّكْلِيفِ كَمَا يُسْتَدَلُّ فِي مَسْأَلَةِ التَّصْوِيبِ
وَيُسْتَدَلُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ عَلَى انْتِفَاءِ الْإِثْمِ فَإِنَّ النَّتِيجَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمُنْتَجِ كَمَا يَدُلُّ الْمُنْتَجُ عَلَى النَّتِيجَةِ.
الدَّلِيلُ الثَّانِي إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَرْكِ النَّكِيرِ عَلَى الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَمَسْأَلَةِ الْعَوْلِ وَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ وَسَائِرِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا، فَكَانُوا يَتَشَاوَرُونَ وَيَتَفَرَّقُونَ مُخْتَلِفِينَ وَلَا يَعْتَرِضُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ فَتْوَى الْعَامَّةِ وَلَا يَمْنَعُ الْعَامَّةَ مِنْ تَقْلِيدِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ تَوَاتُرًا لَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَدْ بَالَغُوا فِي تَخْطِئَةِ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَمَنْ نَصَبَ إمَامًا مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ أَوْ رَأَى نَصْبَ إمَامَيْنِ، بَلْ لَوْ أَنْكَرَ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمَ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا لَبَالَغُوا فِي التَّأْثِيمِ وَالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَدِلَّةً قَاطِعَةً، فَلَوْ كَانَ سَائِرُ الْمُجْتَهَدَاتِ كَذَلِكَ لَأَثِمُوا وَأَنْكَرُوا. فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: لَعَلَّهُمْ أَثِمُوا وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا وَأَضْمَرُوا التَّأْثِيمَ وَلَمْ يُظْهِرُوا خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَالْهَرَجِ.
قُلْنَا: الْعَادَةُ تُحِيلُ انْدِرَاسَ التَّأْثِيمِ وَالْإِنْكَارِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ وَالْوَقَائِعِ، بَلْ لَوْ وَقَعَ لَتَوَفَّرَتْ الدَّوَاعِي عَلَى النَّقْلِ كَمَا نَقَلُوا الْإِنْكَارَ عَلَى مَانِعِي الزَّكَاةِ وَمَنْ اسْتَبَاحَ الدَّارَ عَلَى الْخَوَارِجِ فِي تَكْفِيرِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَعَلَى قَاتِلِي عُثْمَانَ؛ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُتَوَهَّمَ انْدِرَاسُ مِثْلِ هَذَا لَجَازَ أَنْ يُدَّعَى أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَضَ حُكْمَ بَعْضٍ وَأَنَّهُمْ اقْتَتَلُوا فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَمَنَعُوا الْعَوَامَّ مِنْ التَّقْلِيدِ لِلْمُخَالِفِينَ أَوْ لِلْعُلَمَاءِ أَوْ أَوْجَبُوا عَلَى الْعَوَامّ النَّظَرَ أَوْ اتِّبَاعَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ مَعْصُومٍ.
ثُمَّ نَقُولُ: تَوَاتَرَ إلَيْنَا تَعْظِيمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مَعَ كَثْرَةِ الِاخْتِلَافَاتِ، إذْ كَانَ تَوْقِيرُهُمْ وَتَسْلِيمُهُمْ لِلْمُجْتَهِدِ الْعَمَلَ بِاجْتِهَادِهِ وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ أَعْظَمَ مِنْ التَّوْقِيرِ وَالْمُجَامَلَةِ وَالتَّسْلِيمِ فِي زَمَانِنَا وَمِنْ عُلَمَائِنَا، وَلَوْ اعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَعْضِ التَّعْصِيَةَ وَالتَّأْثِيمَ بِالِاخْتِلَافِ لَتَهَاجَرُوا وَارْتَفَعَتْ الْمُجَامَلَةُ وَامْتَنَعَ التَّوْقِيرُ وَالتَّعْظِيمُ.
فَأَمَّا امْتِنَاعُهُمْ مِنْ التَّأْثِيمِ لِلْفِتْنَةِ فَمُحَالٌ، فَإِنَّهُمْ حَيْثُ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ لَمْ تَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَلَا مَنَعَهُمْ ثَوَرَانُ الْفِتْنَةِ وَهَيَجَانُ الْقِتَالِ حَتَّى جَرَى فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَفِي وَاقِعَةِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَالْخَوَارِجِ مَا جَرَى، فَهَذَا تَوَهُّمٌ مُحَالٌ؛ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ نُقِلَ الْإِنْكَارُ وَالتَّشْدِيدُ وَالتَّأْثِيمُ حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ النِّصْفَ وَالثُّلُثَيْنِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -:

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 351
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست