responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 340
كَذَا مَهْمَا ظَنَنَّا ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: الظَّنُّ جَهْلٌ إنَّمَا يَجُوزُ لِضَرُورَةِ الْعَمَلِ وَالْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَمَلٌ فَلَا يَجُوزُ الْهُجُومُ عَلَيْهَا بِرَجْمِ الظُّنُونِ وَعِنْدَ هَذَا كَاعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ: إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً جَازَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ كَالسَّرِقَةِ مَثَلًا وَإِلَّا فَلَا.
وَنَحْنُ نَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الظَّنِّ لِلْفَائِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا اسْتِمَالَةُ الْقُلُوبِ إلَى حُسْنِ التَّصْدِيقِ وَالِانْقِيَادِ، وَأَكْثَرُ الْمَوَاعِظِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ظَنِّيَّةٌ وَخُلِقَتْ طِبَاعُ الْآدَمِيِّينَ مُطِيعَةً لِلظُّنُونِ بَلْ لِلْأَوْهَامِ، وَأَكْثَرُ بَوَاعِثِ النَّاسِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ فِي مَصَادِرهِمْ وَمَوَارِدِهِمْ ظُنُونٌ. الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: مُدَافَعَةُ الْعِلَّةِ الْمُعَارِضَةِ لَهُ كَمَا سَبَقَ.

[خَاتِمَةٌ فِيمَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ قَطْعًا وَمَا يُفْسِدُهَا ظَنًّا وَاجْتِهَادًا]
خَاتِمَةٌ لِهَذَا الْبَابِ: فِيمَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ قَطْعًا وَمَا يُفْسِدُهَا ظَنًّا وَاجْتِهَادًا.
وَمُثَارَاتُ فَسَادِ الْعِلَلِ الْقَطْعِيَّةِ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ: الْأَصْلُ، وَشُرُوطُهُ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَإِنْ كَانَ عَقْلِيًّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّلَ بِعِلَّةٍ تُثْبِتُ حُكْمًا سَمْعِيًّا.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْلُومًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَإِنْ كَانَ مَقِيسًا عَلَى أَصْلٍ فَهُوَ فَرْعٌ فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ قَطْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ الْجَامِعُ هُوَ عِلَّةُ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ تِلْكَ الْعِلَّةَ فَتَعْيِينُ الْفَرْعِ مَعَ إمْكَانِ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ عَبَثٌ بِلَا فَائِدَةٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ قَابِلًا لِلتَّعْلِيلِ لَا كَوُجُوبِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتَقْدِيرِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَمْثَالِهِ، وَكَانَ هَذَا فَاسِدًا مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهُ غَيْرَ مَنْسُوخٍ فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ كَانَ أَصْلًا وَلَيْسَ هُوَ الْآنَ أَصْلًا، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قِيَاسُ رَمَضَانَ عَلَى صَوْمِ عَاشُورَاءَ فِي التَّبْيِيتِ، فَإِنَّ مَنْ سَلَّمَ وُجُوبَهُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَسَلَّمَ افْتِقَارَهُ إلَى التَّبْيِيتِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَسْتَشْهِدَ بِهِ عَلَى رَمَضَانَ الَّذِي أَبْدَلَ وُجُوبَ عَاشُورَاءَ بِهِ؛ فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ نَفْسُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ نَقِيسُ فِي الْوُجُوبِ لَكِنْ فِي مَأْخَذِ دَلَالَةِ الْوُجُوبِ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى التَّبْيِيتِ، وَهَذَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.
الْمَثَارُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْفَرْعِ وَلَهُ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَثْبُتَ فِي الْفَرْعِ خِلَافُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِثَالُهُ قَوْلُهُ: بَلَغَ رَأْسُ الْمَالِ فِي السَّلَمِ أَقْصَى مَرَاتِبِ الْأَعْيَانِ فَلْيَبْلُغْ بِعِوَضِهِ أَقْصَى مَرَاتِبِ الدُّيُونِ قِيَاسًا لِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ صُورَةِ الْقِيَاسِ إذْ الْقِيَاسُ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ وَلَيْسَ هَذَا تَعْدِيَةً.
الثَّانِي أَنْ تَثْبُتَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ حُكْمًا مُطْلَقًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَثْبُتَ فِي الْفَرْعِ إلَّا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ قِيَاسًا. مِثَالُهُ قَوْلُهُمْ: شُرِعَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ رُكُوعٌ زَائِدٌ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ فَتَخْتَصُّ بِزِيَادَةٍ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُتَمَكَّنُ مِنْ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ عَلَى وَجْهِهِ وَتَفْصِيلِهِ.
الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ اسْمًا لُغَوِيًّا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللُّغَةَ لَا تُثْبِتُ قِيَاسًا وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ وَرُبَّمَا جَعَلَهَا قَوْمٌ مَسْأَلَةً اجْتِهَادِيَّةً.
وَإِثْبَاتُ اسْمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ لِلَّائِطِ وَالنَّبَّاشِ وَالنَّبِيذِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَكَانَ هَذَا بِالْمَثَارِ الْأَوَّلِ أَلْيَقَ.

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 340
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست