responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 314
السُّلْطَانِ وَبَنَى عَلَيْهِ مَصْلَحَتَهُ لَمْ يُعَدَّ مُتَوَهِّمًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الرَّئِيسُ قَدْ أَعَارَ مَرْكَبَهُ أَوْ رَكِبَهُ الرِّكَابِيُّ فِي شُغْلٍ، وَمَنْ رَأَى الرَّئِيسَ أَمَرَ غُلَامَهُ بِضَرْبِ رَجُلٍ وَكَانَ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ يَشْتُمُ الرَّئِيسَ فَحَمَلَ ضَرْبَهُ عَلَى أَنَّهُ شَتَمَهُ كَانَ مَعْذُورًا
وَمَنْ رَأَى مَاعِزًا أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَأَى النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَمَرَ بِرَجْمِهِ فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمَرَ بِرَجْمِهِ لِزِنَاهُ وَرَوَى ذَلِكَ كَانَ مَعْذُورًا ظَانًّا وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَهِّمًا، وَمَنْ عَرَفَ شَخْصًا بِأَنَّهُ جَاسُوسٌ ثُمَّ رَأَى السُّلْطَانَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُتَوَهِّمًا فَإِنْ قِيلَ: لَا بَلْ يَكُونُ مُتَوَهِّمًا، فَإِنَّهُ لَوْ عَرَفَ مِنْ عَادَةِ الرَّئِيسِ أَنَّهُ يُقَابِلُ الْإِسَاءَةَ بِالْإِحْسَانِ وَلَا يَضْرِبُ مَنْ يَشْتُمُهُ وَعَرَفَ مِنْ عَادَةِ الْأَمِيرِ الْإِغْضَاءَ عَنْ الْجَاسُوسِ إمَّا اسْتِهَانَةً أَوْ اسْتِمَالَةً ثُمَّ رَآهُ قَتَلَ جَاسُوسًا فَحَكَمَ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِتَجَسُّسِهِ فَهُوَ مُتَوَهِّمٌ مُتَحَكِّمٌ
أَمَّا إذَا عَرَفَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ فَتَكُونُ عَادَتُهُ الْمُطَّرِدَةُ عَلَامَةً شَاهِدَةً لِحُكْمِ ظَنِّهِ؛ وَوِزَانُهُ مِنْ مَسْأَلَتِنَا الْمُلَائِمُ الَّذِي الْتَفَتَ الشَّرْعُ إلَى مِثْلِهِ وَعَرَفَ مِنْ عَادَتِهِ مُلَاحَظَةَ عَيْنِهِ أَوْ مُلَاحَظَةَ جِنْسِهِ، وَكَلَامُنَا فِي الْغَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِمُلَائِمٍ وَلَا مُؤَثِّرٍ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَهُنَا ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: إحْدَاهَا: أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الرَّئِيسِ الْإِحْسَانَ إلَى الْمُسِيءِ وَمِنْ عَادَةِ الْأَمِيرِ الْإِغْضَاءَ عَنْ الْجَاسُوسِ، فَهَذَا يَمْنَعُ تَعْلِيلَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ بِالشَّتْمِ وَالتَّجَسُّسِ، وَوِزَانُهُ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ بِمُنَاسِبٍ أَعْرَضَ الشَّرْعُ مِنْهُ وَحَكَمَ بِنَقِيضِ مُوجِبِهِ، فَهَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَمَا الْتَفَتَ إلَى مَصَالِحَ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ مَصَالِحَ فَمَا أَعْرَضَ عَنْهُ لَا يُعَلَّلُ بِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْرَفَ مِنْ عَادَةِ الرَّئِيسِ وَالْأَمِيرِ ضَرْبُ الشَّاتِمِ وَقَتْلُ الْجَاسُوسِ، فَوِزَانُهُ الْمُلَائِمُ، وَهَذَا مَقْبُولٌ وِفَاقًا مِنْ الْقَائِسِينَ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي رُتْبَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهُوَ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ عَادَةٌ أَصْلًا فِي الشَّاتِمِ وَالْجَاسُوسِ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ ضَرَبَ وَقَتَلَ غُلِبَ عَلَى ظُنُونِ الْعُقَلَاءِ الْحَوَالَةَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ سَلَكَ مَسْلَكَ الْمُكَافَأَةِ؛ لِأَنَّ الْجَرِيمَةَ تُنَاسِبُ الْعُقُوبَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّ أَغْلَبَ عَادَةِ الْمُلُوكِ ذَلِكَ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ طَبَائِعَهُمْ تَتَقَارَبُ قُلْنَا: فَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا الْأَخْذُ بِالْأَغْلَبِ، وَكَذَلِكَ أَغْلَبُ عَادَاتِ الشَّرْعِ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ اتِّبَاعُ الْمُنَاسَبَاتِ وَالْمَصَالِحِ دُونَ التَّحَكُّمَاتِ الْجَامِدَةِ، فَتَنْزِيلُ حُكْمِهِ عَلَيْهِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ وَيَبْقَى أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ حُكِمَ بِمُنَاسِبٍ آخَرَ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا.
فَنَقُولُ: مَا بَحَثْنَا عَنْهُ بِحَسَبِ جَهْدِنَا فَلَمْ نَعْثُرْ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْدُومٌ فِي حَقِّنَا، وَلَمْ يُكَلَّفْ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ دَلَّتْ أَقْيِسَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْمُؤَثِّرِ وَالْمُلَائِمِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ؟» مَعْنَاهُ: لِمَ لَمْ تَفْهَمْ أَنَّ الْقُبْلَةَ مُقَدِّمَةُ الْوِقَاعِ وَالْمَضْمَضَةَ مُقَدِّمَةُ الشُّرْبِ؟ فَلَوْ قَالَ عُمَرُ: لَعَلَّكَ عَفَوْتَ عَنْ الْمَضْمَضَة لِخَاصِّيَّةٍ فِي الْمَضْمَضَةِ أَوْ لِمَعْنًى مُنَاسِبٍ لَمْ يَظْهَرْ لِي، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْقُبْلَةِ.
لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَعُدَّ ذَلِكَ مُجَادَلَةً. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ؟» وَكَذَلِكَ كُلّ قِيَاسٍ نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَبِالْجُمْلَةِ إذَا فُتِحَ بَابُ الْقِيَاسِ فَالضَّبْطُ بَعْدَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لَكِنْ يَتْبَعُ الظَّنَّ، وَالظَّنُّ عَلَى مَرَاتِبَ وَأَقْوَاهُ الْمُؤَثِّرُ، فَإِنَّهُ لَا يُعَارِضُهُ إلَّا احْتِمَالُ التَّعْلِيلِ بِتَخْصِيصِ الْمَحَلِّ، وَدُونَهُ الْمُلَائِمُ، وَدُونَهُ الْمُنَاسِبُ الَّذِي لَا يُلَائِمُ، وَهُوَ أَيْضًا دَرَجَاتٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى ضَعْفٍ، وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ الْمُنَاسَبَةِ، وَرُبَّمَا يُورِثُ الظَّنَّ لِبَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَلَا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ.
وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ دَرَجَاتِ الْمُنَاسَبَةِ أَصْلًا بَلْ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ ذَوْقٌ آخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ، وَأَمَّا الْمَفْهُومُ فَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ يُغَلَّبَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى ظَنِّ بَعْضِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 314
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست