responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 312
قَوْلُنَا:
إنَّ قَلِيلَ النَّبِيذِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ حَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى قَلِيلِ الْخَمْرِ، وَتَعْلِيلُنَا قَلِيلَ الْخَمْرِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، فَهَذَا مُنَاسِبٌ لَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ لَكِنْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ إذْ الْخَلْوَةُ لَمَّا كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الزِّنَا حَرَّمَهَا الشَّرْعُ كَتَحْرِيمِ الزِّنَا، فَكَانَ هَذَا مُلَائِمًا لِجِنْسِ تَصَرُّفِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي الْحُكْمِ، وَأَمَّا الْغَرِيبُ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُهُ وَلَا مُلَاءَمَتُهُ لِجِنْسِ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ فَمِثَالُهُ قَوْلُنَا:
إنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِهَا مُسْكِرَةً فَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ مُسْكِرٍ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ السُّكْرِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَكِنَّهُ مُنَاسِبٌ، وَهَذَا مِثَالُ الْغَرِيبِ لَوْ لَمْ يُقَدَّر التَّنْبِيهُ بِقَوْلِهِ: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ} [المائدة: 91] وَمِثَالُهُ أَيْضًا قَوْلُنَا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ مِيرَاثِهَا فَيُعَارَضُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاتِلِ، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعْجِلُ الْمِيرَاثَ فَعُورِضَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فَإِنَّ تَعْلِيلَ حِرْمَانِ الْقَاتِلِ بِهَذَا تَعْلِيلٌ بِمُنَاسِبٍ لَا يُلَائِمُ جِنْسَ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّا لَا نَرَى الشَّرْعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَدْ الْتَفَتَ إلَى جِنْسِهِ فَتَبْقَى مُنَاسَبَةٌ مُجَرَّدَةٌ غَرِيبَةٌ
وَلَوْ عُلِّلَ الْحِرْمَانُ بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِالْقَتْلِ وَجُعِلَ هَذَا جَزَاءً عَلَى الْعُدْوَانِ كَانَ تَعْلِيلًا بِمُنَاسِبٍ مُلَائِمٍ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ ظَهَرَ تَأْثِيرُهَا فِي الْعُقُوبَاتِ فَلَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُهَا فِي الْحِرْمَانِ عَنْ الْمِيرَاثِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا أَثَّرَ فِي جِنْسٍ آخَرَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُلَائِمِ لَا مِنْ جِنْسِ الْمُؤَثِّرِ وَلَا مِنْ جِنْسِ الْغَرِيبِ فَإِذَا عَرَفْتَ مِثَالَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ مَقْبُولٌ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ
وَقَصَرَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا يُقْبَلُ إلَّا مُؤَثِّرٌ، وَلَكِنْ أَوْرَدَ لِلْمُؤَثِّرِ أَمْثِلَةً عُرِفَ بِهَا أَنَّهُ قِبَلَ الْمُلَائِمِ لَكِنَّهُ سَمَّاهُ أَيْضًا مُؤَثِّرًا وَذَكَرْنَا تَفْصِيلَ أَمْثِلَتِهِ وَالِاعْتِرَاضَ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ شِفَاءِ الْغَلِيلِ " وَلَا سَبِيلَ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَمَنْ اسْتَقْرَأَ أَقْيِسَةَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاجْتِهَادَاتهمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي كُلِّ قِيَاسٍ كَوْنَ الْعِلَّةِ مَعْلُومَةً بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْمُنَاسِبُ الْغَرِيبُ فَهَذَا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ
وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ يَغْلِبَ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا يَدُلُّ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى بُطْلَانِ اجْتِهَادِهِ فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّهُ مُتَحَكَّمٌ بِالتَّعْلِيلِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَشْهَدُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى عِلَّتِهِ قُلْنَا إثْبَاتُ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ يَشْهَدُ لِمُلَاحَظَةِ الشَّرْعِ لَهُ وَيَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى الظَّنِّ
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُكُمْ إثْبَاتُ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ تَلْبِيسٌ إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَقَاضَى الْحُكْمَ بِمُنَاسَبَةٍ، وَبَعَثَ الشَّارِعُ عَلَى الْحُكْمِ فَأَجَابَ بَاعِثَهُ وَانْبَعَثَ عَلَى وَفْق بَعْثِهِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ تَعَبُّدًا وَتَحَكُّمًا كَتَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مَعَ تَحْلِيلِ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ وَهِيَ تَحَكُّمَاتٌ لَكِنْ اتَّفَقَ مَعْنَى الْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ فَظُنَّ أَنَّهُ لِأَجْلِ الْإِسْكَارِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ مِثْلُهُ فِي الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ فَقِيلَ إنَّهُ تَحَكُّمٌ
وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّنْبِيهِ فِي الْقُرْآنِ بِذِكْرِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى آخَرُ مُنَاسِبٌ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِسْكَارِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ فَالْحُكْمُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَإِلَّا فَبِمَ يَتَرَجَّحُ هَذَا الِاحْتِمَالُ؟ وَهَذَا لَا يَنْقَلِبُ فِي الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّهُ عُرِفَ كَوْنُهُ عِلَّةً بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا كَالصِّغَرِ وَتَقْدِيمِ الْأَخِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 312
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست