responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 309
عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ لِكَوْنِهِ قَاتِلًا، وَلَيْسَ هَذَا لِلْمُنَاسَبَةِ بَلْ لَوْ قَالَ: الطَّوِيلُ لَا يَرِثُ أَوْ الْأَسْوَدُ لَا يَرِثُ لَكِنَّا نَفْهَمُ مِنْهُ جَعْلَهُ الطُّولَ وَالسَّوَادَ عَلَامَةً عَلَى انْفِصَالِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ
فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَكْثُرُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ فَوُجُوهُ التَّنْبِيهِ لَا تَنْضَبِطُ، وَقَدْ أَطْنَبْنَا فِي تَفْصِيلِهَا فِي " كِتَابِ شِفَاءِ الْعَلِيلِ " وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ هَهُنَا.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: التَّنْبِيهُ عَلَى الْأَسْبَابِ بِتَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ وَبِالْفَاءِ الَّتِي هِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّسْبِيبِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وقَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: 2] وقَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا الْقِسْمِ مَا يُرَتِّبُهُ الرَّاوِي بِفَاءِ التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ: زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ، وَسَهَا النَّبِيُّ فَسَجَدَ، وَرَضَخَ يَهُودِيٌّ رَأْسَ جَارِيَةٍ فَرَضَخَ النَّبِيُّ رَأْسَهُ؛ فَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّسْبِيبِ، وَلَيْسَ لِلْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» يُفْهَمُ مِنْهُ السَّبَبُ، وَإِنْ لَمْ يُنَاسِبْ
بَلْ يَلْتَحِقُ بِهَذَا الْجِنْسِ كُلُّ حُكْمٍ حَدَثَ عَقِيبَ وَصْفٍ حَادِثٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ كَحُدُوثِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّصَرُّفَاتِ أَوْ مِنْ الْأَفْعَالِ كَاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ عِنْدَ الْقَتْلِ وَالْإِتْلَافِ أَوْ مِنْ الصِّفَاتِ كَتَحْرِيمِ الشُّرْبِ عِنْد طَرَيَانِ الشِّدَّةِ عَلَى الْعَصِيرِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ عِنْدَ طَرَيَانِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَتَجَدَّدُ إلَّا بِتَجَدُّدِ سَبَبٍ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ إلَّا هَذَا فَإِذًا هُوَ السَّبَبُ، وَإِنْ لَمْ يُنَاسِبْ فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ دَلَالَةً قَاطِعَةً أَوْ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً؟ قُلْنَا:
أَمَّا مَا رُتِّبَ عَلَى غَيْرِهِ بِفَاءِ التَّرْتِيبِ وَصِيغَةِ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ لَا مَحَالَةَ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَصْلِ الِاعْتِبَارِ أَمَّا اعْتِبَارُهُ بِطَرِيقِ كَوْنِهِ عِلَّةً أَوْ سَبَبًا مُتَضَمِّنًا لِلْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ وَالْمُجَاوَرَةِ أَوْ شَرْطًا يَظْهَرُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ أَوْ يُفِيدُ الْحُكْمُ عَلَى تَجَرُّدِهِ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمُ الْمُحَالَ أَوْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَصْفٌ آخَرُ حَتَّى يَخْتَصَّ بِبَعْضِ الْمُحَالِ فَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهَا وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا مِنْ وَجْهٍ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ
وَقَدْ يَكُونُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ وَجْهَيْنِ فَيَتَّبِعَ فِيهِ مُوجِبَ الْأَدِلَّةِ. وَإِنَّمَا الثَّابِتُ بِالْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مُعْتَبَرًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ مِثَالُ هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَقْضِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» وَهُوَ تَنْبِيهٌ أَنَّ الْغَضَبَ عِلَّةٌ فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ لَكِنْ قَدْ يَتَبَيَّنُ بِالنَّظَرِ أَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً لِذَاتِهِ بَلْ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ الدَّهْشَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ حَتَّى يُلْحَقَ بِهِ الْجَائِعُ وَالْحَاقِنُ وَالْمُتَأَلِّمُ فَيَكُونُ الْغَضَبُ مَنَاطًا لَا لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَعْنًى يَتَضَمَّنُهُ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " سَهَا فَسَجَدَ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ هُوَ السَّهْوُ لِعَيْنِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ تَرْكِ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا رُبَّمَا قِيلَ يَسْجُدُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ " احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ زَنَى وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ الزِّنَا مِنْ إيلَاجِ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ قَطْعًا، مُشْتَهًى طَبْعًا حَتَّى يَتَعَدَّى إلَى اللِّوَاطِ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِ الْجِمَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ إفْسَادِ الصَّوْمِ حَتَّى يَتَعَدَّى إلَى الْأَكْلِ وَالظَّاهِرُ الْإِضَافَةُ إلَى الْأَصْلِ وَمَنْ صَرَفَهُ عَنْ الْأَصْلِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 309
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست