responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 307
تَنْخَنِسُ بِمُجَرَّدِ وَازِعِ الدِّينِ فَافْتَقَرَ إلَى كَفَّارَةٍ زَاجِرَةٍ بِخِلَافِ دَاعِيَةِ الْأَكْلِ. وَهَذِهِ ظُنُونٌ تَخْتَلِفُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِينَ، وَهَلْ يُسَمَّى إلْحَاقُ الْأَكْلِ هَهُنَا بِالْجِمَاعِ قِيَاسًا؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا قِيَاسَ فِي الْكَفَّارَاتِ.
وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ، بَلْ هُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى تَجْرِيدِ مَنَاطِ الْحُكْمِ وَحَذْفِ الْحَشْوِ مِنْهُ، وَلَفْظَةُ الْقِيَاسِ اصْطِلَاحٌ لِلْفُقَهَاءِ فَيَخْتَلِفُ إطْلَاقُهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاصْطِلَاحِ، فَلَسْتُ أَرَى الْإِطْنَابَ فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ أَوْ إفْسَادِهِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ تَدْوَارِ النَّظَرِ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا يُظَنُّ بِالظَّاهِرِ فِي الْمُنْكِرِ لِلْقِيَاسِ إنْكَارَ الْمَعْلُومِ وَالْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْإِلْحَاقَاتِ، لَكِنْ لَعَلَّهُ يُنْكِرُ الْمَظْنُونَ مِنْهُ وَيَقُولُ: مَا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ فَهُوَ كَاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ فَيَجِبُ حَذْفُهُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ أَمَّا مَا يُحْتَمَلُ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ بِالظَّنِّ.
وَإِذَا بَانَ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِالظَّنِّ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُزُولِ الظَّنِّ مَنْزِلَةَ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا اجْتَهَدُوا كَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ وَمَسْأَلَةِ الْجَدِّ وَحَدِّ الْخَمْرِ وَالْمُفَوَّضَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ ظَنِّيَّةٌ وَلَيْسَتْ قَطْعِيَّةً، وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلِإِلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ طَرِيقَانِ مُتَبَايِنَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَعَارَضَ إلَّا لِلْفَارِقِ وَسُقُوطِ أَثَرِهِ فَيَقُولُ: لَا فَارِقَ إلَّا كَذَا، وَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ وَلَا مَدْخَلَ لِهَذَا الْفَارِقِ فِي التَّأْثِيرِ، وَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ أُخْرَى؛ فَيَلْزَمُ مِنْهُ نَتِيجَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ، وَهَذَا إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا ظَهَرَ التَّقَارُبُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ كَقُرْبِ الْأَمَةِ مَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعَرُّضِ لِلْجَامِعِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْجَامِعِ وَيَقْصِدَ نَحْوَهُ، وَلَا يَلْتَفِتَ إلَى الْفَوَارِقِ، وَإِنْ كَثُرَتْ وَيَظْهَرُ تَأْثِيرُ الْجَامِعِ فِي الْحُكْمِ فَيَقُولُ: الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ كَذَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْفَرْعِ فَيَجِبُ الِاجْتِمَاعُ فِي الْحُكْمِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى قِيَاسًا بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا خِلَافٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مَا قُصِدَ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَذَلِكَ قُصِدَ فِيهِ نَفْيُ الْفَرْقِ فَحَصَلَ الِاجْتِمَاعُ بِالْقَصْدِ الثَّانِي لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ الْمُقَايَسَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْقَصْدِ الْأَوَّلِ
وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ التَّعَرُّضُ لِلْفَارِقِ وَنَفْيِهِ يَنْتَظِمُ حَيْثُ لَمْ تُعْرَفْ عِلَّةُ الْحُكْمِ، بَلْ يَنْتَظِمُ فِي حُكْمٍ لَا يُعَلَّلُ وَيَنْتَظِمُ حَيْثُ عُرِفَ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ لَكِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْعِلَّةُ، فَإِنَّا نَقُولُ: الزَّبِيبُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فِي الرِّبَا قَبْلَ أَنْ يَتَعَيَّنَ عِنْدَنَا عِلَّةُ الرِّبَا أَنَّهُ الطَّعْمُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ الْقُوتُ
وَيَنْتَظِمُ حَيْثُ ظَهَرَ أَصْلُ الْعِلَّةِ وَتَعَيَّنَ أَيْضًا، وَلَكِنْ لَمْ تَتَلَخَّص بَعْدُ أَوْصَافُهُ وَلَمْ تَتَحَرَّرْ بَعْدُ قُيُودُهُ وَحُدُودُهُ.
أَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْجَمْعُ، فَلَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ تَعَيُّنِ الْعِلَّةِ وَتَلْخِيصِهَا بِحَدِّهَا وَقُيُودِهَا وَبَيَانِ تَحْقِيقِ وُجُودِهَا بِكَمَالِهَا فِي الْفَرْعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ يَنْقَسِمُ إلَى مَقْطُوعٍ بِهِ وَإِلَى مَظْنُونٍ. فَإِذَا تَمَهَّدَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فَيَرْجِعُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ بَيَانُ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا.
وَهَذَا الْقِيَاسُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مُقَدِّمَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا مَثَلًا: أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِسْكَارَ مَوْجُودٌ فِي النَّبِيذِ. أَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ بِالْحِسِّ وَدَلِيلِ الْعَقْلِ وَالْعُرْفِ وَبِدَلِيلِ الشَّرْعِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَدِلَّةِ، أَمَّا الْأُولَى فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَوْ نَوْعِ اسْتِدْلَالٍ مُسْتَنْبَطٍ، فَإِنَّ كَوْنَ الشِّدَّةِ عَلَامَةَ التَّحْرِيمِ وَضْعٌ شَرْعِيٌّ كَمَا أَنَّ نَفْسَ التَّحْرِيمِ كَذَلِكَ وَطَرِيقُهُ.

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 307
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست