responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 303
الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَلِيلٍ وَدَلِيلٍ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً كَانَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ مَعْلُومًا وَلَمْ يَكُنْ مَظْنُونًا، وَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ الْخَطَأِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً لَمْ يُؤْمَنْ الْخَطَأُ. قُلْنَا: أَخْطَأْتُمْ فِي طَرَفَيْ الْكَلَامِ حَيْثُ ظَنَنْتُمْ حُصُولَ الْأَمْنِ بِالنَّصِّ وَإِمْكَانَ الْخَطَأِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، فَإِنَّهُ وَإِنْ نَصَّ عَلَى شِدَّةَ الْخَمْرِ فَلَا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ شِدَّةَ النَّبِيذِ فِي مَعْنَاهَا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّلًا بِشِدَّةِ الْخَمْرِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ وَيَقُولَ: " يَتْبَعُ الْحُكْمُ مُجَرَّدَ الشِّدَّةِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ " فَيَكُونُ ذَلِكَ لَفْظًا عَامًّا وَلَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْقِيَاسِ فَلَا يَحْصُلُ التَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ فَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ النَّبِيذَ فِي مَعْنَاهُ وَلَا نَقْطَعُ، فَلِلظَّنِّ مُثَارَانِ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ: أَحَدُهُمَا: أَصْلُ الْعِلَّةِ، وَالْآخَرُ: إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ، فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِانْتِفَاءِ الْفَوَارِقِ؛ وَفِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ مُثَارُ الظَّنِّ وَاحِدٌ وَهُوَ إلْحَاقُ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى جَمِيعِ أَوْصَافِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، وَإِنَّهُ الشِّدَّةُ بِمُجَرَّدِهَا دُونَ شِدَّةِ الْخَمْرِ، وَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِنَصٍّ يُوجِبُ عُمُومَ الْحُكْمِ وَيَدْفَعُ الْحَاجَةَ إلَى الْقِيَاسِ.
أَمَّا قَوْلُهُ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ " إنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الْخَطَأُ " فَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُصَوِّبُ كُلَّ مُجْتَهِدٍ، إذْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ، كَشَهَادَةِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي فِي أَمْنٍ مِنْ الْخَطَأِ وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مُزَوِّرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَبَّدْ بِاتِّبَاعِ الصِّدْقِ بَلْ بِاتِّبَاعِ ظَنِّ الصِّدْقِ، وَكَذَلِكَ هَهُنَا لَمْ يُتَعَبَّدْ بِاتِّبَاعِ الْعِلَّةِ بَلْ ظَنِّ الْعِلَّةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الظَّنُّ. نَعَمْ هَذَا الْإِشْكَالُ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخَطَأَ، وَلَا دَلِيلَ يُمَيِّزُ الصَّوَابَ عَنْ الْخَطَأِ، إذْ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَكَانَ آثِمًا إذَا أَخْطَأَ كَمَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ. ثُمَّ نَقُولُ:
إنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَذَا الْقِيَاسِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ، إذْ قَاسُوا فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَدِّ وَالْأُخُوَّةِ، وَفِي تَشْبِيهِ حَدِّ الشُّرْبِ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الِافْتِرَاءِ وَالْقَذْفِ أَوْجَبَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ الِافْتِرَاءِ لَا الْخَوْفِ مِنْ الِافْتِرَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ رَأَوْا الشَّارِعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَقَامَ مَظِنَّةَ الشَّيْءِ مَقَامَ نَفْسِهِ فَشَبَّهُوا هَذَا بِهِ بِنَوْعٍ مِنْ الظَّنِّ هُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، فَدَلَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا النَّصَّ وَلَا الْقَطْعَ بَلْ اكْتَفَوْا بِالظَّنِّ. ثُمَّ نَقُولُ:
إذَا جَازَ الْقِيَاسُ بِالْعِلَّةِ الْمَعْلُومَةِ فَلْنُلْحِقْ بِهَا الْمَظْنُونَةَ فِي حَقِّ الْعَمَلِ كَمَا الْتَحَقَ رِوَايَةُ الْعَدْلِ بِالتَّوَاتُرِ وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَعْصُومِ وَالْقِبْلَةُ الْمَظْنُونَةُ بِالْقِبْلَةِ الْمُعَايَنَةِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا وَإِنْ أَثْبَتنَا خَبَرَ الْوَاحِدِ وَقَوْلَ الشَّهَادَةِ بِأَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ فَقَوْلُ الشَّرْعِ الظَّنَّ فِي مَوْضِعٍ لَا يُرَخِّصُ لَنَا فِي قِيَاسِ ظَنٍّ آخَرَ عَلَيْهِ. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ كَمَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ.

مَسْأَلَةٌ فَرَّقَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ. فَقَالُوا: إذَا عَلَّلَ الشَّارِعُ وُجُوبَ فِعْلٍ بِعِلَّةٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إلَّا بِتَعَبُّدٍ بِالْقِيَاسِ، وَلَوْ عَلَّلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ بِعِلَّةٍ وَجَبَ قِيَاسُ النَّبِيذِ عَلَيْهِ دُونَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْعَسَلَ لِحَلَاوَتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ حُلْوٍ وَمَنْ تَرَكَ الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ مُسْكِرٍ، أَمَّا مَنْ شَرِبَ الْعَسَلَ لِحَلَاوَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْرَبَ كُلَّ حُلْوٍ، وَمَنْ صَلَّى؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ عِبَادَةٍ.
وَبَنَوْا عَلَى هَذَا أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ، بَلْ مَنْ تَرْكَ ذَنْبًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً لَزِمَهُ تَرْكُ كُلِّ ذَنْبٍ، أَمَّا مَنْ أَتَى بِعِبَادَةٍ لِكَوْنِهَا طَاعَةً فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ طَاعَةٍ هَذَا مُحَالٌ فِي الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي جَانِبِ التَّحْرِيمِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 303
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست