responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 29
وَالْكَبِيرُ وَالْأَشْهَبُ وَالْكُمَيْتُ وَالْبَعِيدُ مِنْهُ فِي الْمَكَانِ وَالْقَرِيبُ، بَلْ يُدْرِكُ الْفَرَسِيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ الْمُطْلَقَةَ مُتَنَزِّهَةً عَنْ كُلِّ قَرِينَةٍ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً لَهَا، فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمَخْصُوصَ وَاللَّوْنَ الْمَخْصُوصَ لَيْسَ لِلْفَرَسِ ذَاتِيًّا بَلْ عَارِضًا أَوْ لَازِمًا فِي الْوُجُودِ، إذْ مُخْتَلِفَاتُ اللَّوْنِ وَالْقَدْرِ تَشْتَرِكُ فِي حَقِيقَةِ الْفَرَسِيَّةِ وَهَذِهِ الْمُطْلَقَاتُ الْمُجَرَّدَةُ الشَّامِلَةُ لِأُمُورٍ مُخْتَلِفَةٍ هِيَ الَّتِي يُعَبِّرُ عَنْهَا الْمُتَكَلِّمُونَ بِالْأَحْوَالِ وَالْوُجُوهِ وَالْأَحْكَامِ وَيُعَبِّرُ عَنْهَا الْمَنْطِقِيُّونَ بِالْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَتَارَةً يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ مِنْ خَارِجٍ بَلْ مِنْ دَاخِلٍ - يَعْنُونَ خَارِجَ الذِّهْنِ وَدَاخِلَهُ - وَيَقُولُ أَرْبَابُ الْأَحْوَالِ: إنَّهَا أُمُورٌ ثَابِتَةٌ، تَارَةً يَقُولُونَ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ مَعْلُومَةٌ وَتَارَةً يَقُولُونَ لَا مَوْجُودَةٌ وَلَا مَعْلُومَةٌ وَلَا مَجْهُولَةٌ، وَقَدْ دَارَتْ فِيهِ رُءُوسُهُمْ وَحَارَتْ عُقُولُهُمْ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُ مَنْزِلٌ يَنْفَصِلُ فِيهِ الْمَعْقُولُ عَنْ الْمَحْسُوسِ، إذْ مِنْ هَهُنَا يَأْخُذُ الْعَقْلُ الْإِنْسَانِيُّ فِي التَّصَرُّفِ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ كَانَ يُشَارِكُ التَّخَيُّلُ الْبَهِيمِيُّ فِيهِ التَّخَيُّلَ الْإِنْسَانِيَّ. وَمَنْ تَحَيَّرَ فِي أَوَّلِ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْعَقْلِ كَيْفَ يُرْجَى فَلَاحُهُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الْمَعَانِي الْمُؤَلَّفَةِ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ السَّوَابِقِ فِي أَحْكَامِ الْمَعَانِي الْمُؤَلَّفَةِ قَدْ نَظَرْنَا فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ ثُمَّ فِي مُجَرَّدِ الْمَعْنَى، فَنَنْظُرُ الْآنَ فِي تَأْلِيفِ الْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ، كَقَوْلِنَا مَثَلًا: الْعَالَمُ حَادِثٌ وَالْبَارِي تَعَالَى قَدِيمٌ، فَإِنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى تَأْلِيفِ الْقُوَّةِ الْمُفَكِّرَةِ بَيْنَ مَعْرِفَتَيْنِ لِذَاتَيْنِ مُفْرَدَتَيْنِ بِنِسْبَةِ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى إمَّا بِالْإِثْبَاتِ كَقَوْلِكَ الْعَالَمُ حَادِثٌ أَوْ بِالسَّلْبِ كَقَوْلِكَ الْعَالَمُ لَيْسَ بِقَدِيمٍ؛ وَقَدْ الْتَأَمَ هَذَا مِنْ جُزْأَيْنِ يُسَمِّي النَّحْوِيُّونَ أَحَدَهُمَا مُبْتَدَأً وَالْآخَرَ خَبَرًا، وَيُسَمِّي الْمُتَكَلِّمُونَ أَحَدَهُمَا وَصْفًا وَالْآخَرَ مَوْصُوفًا، وَيُسَمِّي الْمَنْطِقِيُّونَ أَحَدَهُمَا مَوْضُوعًا وَالْآخَرَ مَحْمُولًا، وَيُسَمِّي الْفُقَهَاءُ أَحَدَهُمَا حُكْمًا وَالْآخَرَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَيُسَمَّى الْمَجْمُوعُ قَضِيَّةً.
وَأَحْكَامُ الْقَضَايَا كَثِيرَةٌ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَضُرُّ الْغَفْلَةُ عَنْهُ؛ وَهُوَ حُكْمَانِ: الْأَوَّلُ: الْقَضِيَّةُ تَنْقَسِمُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ إلَى التَّعْيِينِ وَالْإِهْمَالِ وَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَهِيَ أَرْبَعٌ
الْأُولَى: قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ وَهَذَا السَّوَادُ عَرَضٌ.
الثَّانِيَةُ: قَضِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ خَاصَّةٌ، كَقَوْلِنَا بَعْضُ النَّاسِ عَالِمٌ وَبَعْضُ الْأَجْسَامِ سَاكِنٌ
الثَّالِثَةُ: قَضِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ عَامَّةٌ، كَقَوْلِنَا كُلُّ جِسْمٍ مُتَحَيِّزٌ وَكُلُّ سَوَادٍ لَوْنٌ
الرَّابِعَةُ: قَضِيَّةٌ مُهْمَلَةٌ، كَقَوْلِنَا: الْإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ وَعِلَّةُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ لَا يَكُونُ عَيْنًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا فَإِمَّا أَنْ يُحْصَرَ بِسُورٍ يُبَيِّنُ مِقْدَارَهُ بِكُلِّيَّتِهِ فَتَكُونُ مُطْلَقَةً عَامَّةً أَوْ بِجُزْئِيَّتِهِ فَتَكُونُ خَاصَّةً أَوْ لَا يُحْصَرُ بِسُورٍ فَتَكُونُ مُهْمَلَةً؛ وَالسُّورُ هُوَ قَوْلُكَ كُلٌّ " وَبَعْضٌ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا.
وَمِنْ طُرُقِ الْمُغَالِطِينَ فِي النَّظَرِ اسْتِعْمَالُ الْمُهْمَلَاتِ بَدَلَ الْقَضَايَا الْعَامَّةِ، فَإِنَّ الْمُهْمَلَاتِ قَدْ يَرِدُ بِهَا الْخُصُوصُ وَالْعُمُومُ فَيَصْدُقُ طَرَفَا النَّقِيضِ، كَقَوْلِك: الْإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ، تَعْنِي الْكَافِرَ. الْإِنْسَانُ لَيْسَ فِي خُسْرٍ، تَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَامَحَ بِهَذَا فِي النَّظَرِيَّاتِ، مِثَالُ أَنْ يَقُولَ الشَّفْعَوِيُّ مَثَلًا: مَعْلُومٌ أَنَّ الْمَطْعُومَ رِبَوِيٌّ وَالسَّفَرْجَلُ مَطْعُومٌ فَهُوَ إذًا رِبَوِيٌّ؛ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُلْتَ الْمَطْعُومُ رِبَوِيٌّ؟ فَتَقُولُ: دَلِيلُهُ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ بِمَعْنًى فَإِنَّهَا مَطْعُومَاتٌ وَهِيَ رِبَوِيَّةٌ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فَقَوْلُك الْمَطْعُومُ رِبَوِيٌّ أَرَدْتَ بِهِ كُلَّ الْمَطْعُومَاتِ أَوْ بَعْضَهَا؟ فَإِنْ أَرَدْتَ الْبَعْضَ لَمْ تَلْزَمْ النَّتِيجَةُ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرْجَلُ مِنْ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 29
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست