responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 288
وَقَالَ فِي الْعَوْلِ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ " الْحَدِيثَ، وَلَمَّا سَمِعَ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ قَالَ: " لَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ "، وَقَالَ فِي الْمُتَطَوِّعِ إذَا بَدَا لَهُ الْإِفْطَارُ أَنَّهُ كَالْمُتَبَرِّعِ أَرَادَ التَّصَدُّقَ بِمَالٍ فَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ، وَالْحَجْب، وَمِيرَاثِ الْجَدِّ.
وَلَمَّا وَرَّثَ زَيْدٌ ثُلُثَ مَا بَقِيَ فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ، وَأَبَوَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْنَ، وَجَدْتَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: أَقُولُ بِرَأْيِي، وَتَقُولُ بِرَأْيِكَ. فَهَذَا، وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ مَشْهُورٌ، وَمَا مِنْ مُفْتٍ إلَّا، وَقَدْ قَالَ بِالرَّأْيِ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ؛ فَلِأَنَّهُ أَغْنَاهُ غَيْرُهُ عَنْ الِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِمْ فِي الرَّأْيِ فَانْعَقَدَ إجْمَاعٌ قَاطِعٌ عَلَى جَوَازِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ.
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفُوا وَاجْتَهَدُوا فِيهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، وَقَدْ حَكَمُوا بِمَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ فَقَدْ ثَبَتَ الِاجْتِهَادُ، وَإِنْ كَانَ فَمُحَالٌ إذْ كَانَ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَرَفَ الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ أَنْ لَا يَكْتُمَهُ، وَلَوْ أَظْهَرَهُ، وَكَانَ قَاطِعًا لَمَا خَالَفَهُ أَحَدٌ، وَلَوْ خَالَفَهُ لَوَجَبَ تَفْسِيقُهُ، وَتَأْثِيمُهُ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْبِدْعَةِ، وَالضَّلَالِ، وَلَوَجَبَ مَنْعُهُ مِنْ الْفَتْوَى، وَمَنْعُ الْعَامَّةِ مِنْ تَقْلِيدِهِ، هَذَا أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ إنْ لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ، وَقَدْ قَالَ بِهِ قَوْمٌ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَرَاهُ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَوْ كَانَ فِيهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ لَكَانَ الْمُخَالِفُ فَاسِقًا، وَكَانَ الْمُحِقُّ بِالسُّكُوتِ عَنْ الْمُخَالِفِ، وَتَرْكِ دَعْوَتِهِ إلَى الْحَقِّ فَاسِقًا، فَيَعُمُّ الْفِسْقُ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ بَلْ يَعُمُّ الْعِبَادَ جَمِيعَهُمْ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَقْلِيَّاتِ، فَإِنَّ أَدِلَّتَهَا غَامِضَةٌ قَدْ لَا يُدْرِكُهَا بَعْضُ الْخَلْقِ فَلَا يَكُونُ مُعَانِدًا.
أَمَّا الْقَاطِعُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ نَصٌّ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِنَصٍّ مَنْطُوقٍ بِهِ أَوْ بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ فِيمَا لَيْسَ مَنْطُوقًا بِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَمَعْقُولُ هَذَا أَنَّ لِأَبِيهِ الثُّلُثَيْنِ، وقَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَمَعْقُولُهُ تَحْرِيمُ التِّجَارَةِ، وَالْجُلُوسِ فِي الْبَيْتِ، وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77] ، وَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] ، وَ {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَلَمْ يُرَخِّصْ فِي الْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ إلَّا فِي هَذَا الْجِنْسِ، وَلَا يَخْفَى هَذَا عَلَى عَامِّيٍّ فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِمْ حَتَّى نَشَأَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَسَائِلِ؟ هَذَا تَمْهِيدُ الدَّلِيلِ، وَتَمَامُهُ بِدَفْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ
وَقَدْ يَعْتَرِضُ الْخَصْمُ عَلَيْهِ تَارَةً بِإِنْكَارِ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَهُوَ قَوْلُ النَّظَّامِ، وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ إثْبَاتِهِ، وَتَارَةً بِإِنْكَارِ تَمَامِ الْإِجْمَاعِ فِي الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا ذَكَرْنَا مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ إلَّا السُّكُوتُ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنْ بَعْضِهِمْ إنْكَارَ الرَّأْيِ، وَتَارَةً يُسَلِّمُونَ السُّكُوتَ لَكِنْ حَمَلُوهُ عَلَى الْمُجَامَلَةِ فِي تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ لَا عَلَى الْمُوَافَقَةِ فِي الرَّأْيِ، وَتَارَةً يُقِرُّونَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَكْتَرِثُونَ بِتَفْسِيقِ الصَّحَابَةِ، وَتَارَةً يَرُدُّونَ رَأْيَهُمْ إلَى الْعُمُومَاتِ، وَمُقْتَضَى الْأَلْفَاظِ، وَتَحْقِيقِ مَنَاطِ الْحُكْمِ دُونَ الْقِيَاسِ.
فَهَذِهِ مَدَارِكُ اعْتِرَاضَاتِهِمْ، وَهِيَ خَمْسَةٌ:
الِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْجَاحِظُ - حِكَايَةً عَنْ النَّظَّامِ -: إنَّ الصَّحَابَةَ لَوْ لَزِمُوا الْعَمَلَ بِمَا أُمِرُوا بِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّفُوا مَا كُفُوا الْقَوْلَ فِيهِ مِنْ إعْمَالِ الرَّأْيِ، وَالْقِيَاسِ، لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ التَّهَارُجُ، وَالْخِلَافُ، وَلَمْ يَسْفِكُوا الدِّمَاءَ، لَكِنْ لَمَّا عَدَلُوا عَمَّا كُلِّفُوا، وَتَخَيَّرُوا، وَتَآمَرُوا، وَتَكَلَّفُوا الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ جَعَلُوا الْخِلَافَ طَرِيقًا، وَتَوَرَّطُوا فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ، وَالْقِتَالِ
وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 288
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست