responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 27
مِنْ الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالْوَاقِعِ عَلَى الْعَقْلِ الَّذِي بِهِ يُهْتَدَى فِي الْغَوَامِضِ، فَلَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ حَقِيقَةِ ذَاتِ الْعَقْلِ وَالضَّوْءِ إلَّا كَمُشَارَكَةِ السَّمَاءِ لِلْإِنْسَانِ فِي كَوْنِهَا جِسْمًا إذْ الْجِسْمِيَّةُ فِيهِمَا لَا تَخْتَلِفُ الْبَتَّةُ مَعَ أَنَّهُ ذَاتِيٌّ لَهُمَا.
وَيَقْرُبُ مِنْ لَفْظِ النُّورِ لَفْظُ الْحَيِّ عَلَى النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَحْضِ إذْ يُرَادُ بِهِ مِنْ النَّبَاتِ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ نَمَاؤُهُ وَمِنْ الْحَيَوَانِ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يُحِسُّ وَيَتَحَرَّكُ بِالْإِرَادَةِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْبَارِي تَعَالَى إذَا تَأَمَّلْتَ عَرَفْتَ أَنَّهُ لِمَعْنًى ثَالِثٍ يُخَالِفُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.
وَمِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ تَتَابُعِ الْأَغَالِيطِ مَغْلَطَةٌ أُخْرَى قَدْ تَلْتَبِسُ الْمُتَرَادِفَةُ بِالْمُتَبَايِنَةِ، وَذَلِكَ إذَا أُطْلِقَتْ أَسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ رُبَّمَا ظُنَّ أَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ كَالسَّيْفِ وَالْمُهَنَّدِ وَالصَّارِمِ، فَإِنَّ الْمُهَنَّدَ يَدُلُّ عَلَى السَّيْفِ مَعَ زِيَادَةِ نِسْبَةٍ إلَى الْهِنْدِ فَخَالَفَ إذًا مَفْهُومُهُ مَفْهُومَ السَّيْفِ، وَالصَّارِمُ يَدُلُّ عَلَى السَّيْفِ مَعَ صِفَةِ الْحِدَّةِ وَالْقَطْعِ لَا كَالْأَسَدِ وَاللَّيْثِ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّا فِي اصْطِلَاحَاتِنَا النَّظَرِيَّةِ نَحْتَاجُ إلَى تَبْدِيلِ الْأَسَامِي عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ عِنْدَ تَبَدُّلِ اعْتِبَارَاتِهِ، كَمَا أَنَّا نُسَمِّي الْعِلْمَ التَّصْدِيقِيَّ الَّذِي هُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ دَعْوَى إذَا تَحَدَّى بِهِ الْمُتَحَدِّي وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ خَصْمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ خَصْمٍ سَمَّيْنَاهُ قَضِيَّةً كَأَنَّهُ قُضِيَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ بِشَيْءٍ، فَإِنْ خَاضَ فِي تَرْتِيبِ قِيَاسِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ سَمَّيْنَاهُ مَطْلُوبًا، فَإِنْ دَلَّ بِقِيَاسِهِ عَلَى صِحَّتِهِ سَمَّيْنَاهُ نَتِيجَةً فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ دَلِيلًا فِي طَلَبِ أَمْرٍ آخَرَ وَرَتَّبَهُ فِي أَجْزَاءِ الْقِيَاسِ سَمَّيْنَاهُ مُقَدِّمَةً، وَهَذَا وَنَظَائِرُهُ مِمَّا يَكْثُرُ.
مِثَالُ الْغَلَطِ فِي الْمُشْتَرَكِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ: " يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ " لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَلَيْسَ بِمُخْتَارٍ " وَيَكَادُ الذِّهْنُ لَا يَنْبُو عَنْ التَّصْدِيقِ بِالْأَمْرَيْنِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالضِّدَّيْنِ مُحَالٌ، وَتَرَى الْفُقَهَاءَ يَتَعَثَّرُونَ فِيهِ وَلَا يَهْتَدُونَ إلَى حِلِّهِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُخْتَارَ مُشْتَرَكٌ، إذْ قَدْ يُجْعَلُ لَفْظُ الْمُخْتَارِ مُرَادًا، فَاللَّفْظُ الْقَادِرُ وَمُسَاوِيًا لَهُ إذْ قُوبِلَ بِاَلَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْحَرَكَةِ الْمَوْجُودَةِ كَالْمَحْمُولِ، فَيُقَالُ: هَذَا عَاجِزٌ مَحْمُولٌ، وَهَذَا قَادِرٌ مُخْتَارٌ، وَيُرَادُ بِالْمُخْتَارِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْمُكْرَهِ.
وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالْمُخْتَارِ عَمَّنْ تَخَلَّى فِي اسْتِعْمَالِ قُدْرَتِهِ وَدَوَاعِي ذَاتِهِ بِلَا تَحَرُّكِ دَوَاعِيهِ مِنْ خَارِجٍ، وَهَذَا يَكْذِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَنَقِيضِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ، فَإِذَا صَدَقَ عَلَيْهِ مُخْتَارٌ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُ الْمُخْتَارِ الْمَنْفِيِّ غَيْرَ مَفْهُومِ الْمُخْتَارِ الْمُثْبَتِ. وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي النَّظَرِيَّاتِ لَا تُحْصَى تَاهَتْ فِيهَا عُقُولُ الضُّعَفَاءِ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهَذَا الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي النَّظَرُ فِي الْمَعَانِي الْمُفْرَدَةِ]
الْفَصْلُ الثَّانِي مِنْ الْفَنِّ الْأَوَّلِ النَّظَرُ فِي الْمَعَانِي الْمُفْرَدَةِ النَّظَرُ فِي الْمَعَانِي الْمُفْرَدَةِ. وَيَظْهَرُ الْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ بِتَقْسِيمَاتٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى إذَا وُصِفَ بِالْمَعْنَى وَنُسِبَ إلَيْهِ وُجِدَ إمَّا ذَاتِيًّا وَإِمَّا عَرَضِيًّا وَإِمَّا لَازِمًا وَقَدْ فَصَّلْنَاهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا نُسِبَ إلَيْهِ وُجِدَ إمَّا أَعَمَّ كَالْوُجُودِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجِسْمِيَّةِ، وَإِمَّا أَخْفَى كَالْجِسْمِيَّةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوُجُودِ، وَإِمَّا مُسَاوِيًا كَالْمُتَحَيِّزِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَوْهَرِ عِنْدَ قَوْمٍ وَإِلَى الْجِسْمِ عِنْدَ قَوْمٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَعَانِيَ بِاعْتِبَارِ أَسْبَابِهَا الْمُدْرِكَةِ لَهَا ثَلَاثَةٌ: مَحْسُوسَةٌ وَمُتَخَيَّلَةٌ وَمَعْقُولَةٌ؛ وَلْنَصْطَلِحْ عَلَى تَسْمِيَةِ سَبَبِ الْإِدْرَاكِ قُوَّةً، فَنَقُولُ فِي حَدَقَتِكَ مَعْنًى بِهِ تَمَيَّزَتْ الْحَدَقَةُ عَنْ الْجَبْهَةِ حَتَّى صِرْتَ تُبْصِرُ بِهَا، وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست