responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 264
بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» إذْ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ يَقِينَ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُ لَكَانَ تَوَهُّمُهَا لَا يُوجِبُ الِاسْتِحْبَابَ.
، وَمِثَالُهُ تَقْدِيرُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] ، وَمِثَالُهُ الْمَصِيرُ إلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ جُنُبًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة: 187] ، وَقَالَ: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] ثُمَّ مَدَّ الرُّخْصَةَ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ، فَتُشْعِرُ الْآيَةُ بِجَوَازِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْجِمَاعِ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي آخِرَ اللَّيْلِ اسْتَأْخَرَ غُسْلُهُ إلَى النَّهَارِ، وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ الْوَطْءُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بِمِقْدَارِ مَا يَتَّسِعُ لِلْغُسْلِ. فَهَذَا، وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَكْثُرُ، وَيُسَمَّى إشَارَةَ اللَّفْظِ.

[الضَّرْبُ الثَّالِثُ فَهْمُ التَّعْلِيلِ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ]
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: 2] فَإِنَّهُ كَمَا فُهِمَ وُجُوبُ الْقَطْعِ، وَالْجَلْدِ عَلَى السَّارِقِ، وَالزَّانِي، وَهُوَ الْمَنْطُوقُ بِهِ فُهِمَ كَوْنُ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا عِلَّةً لِلْحُكْمِ، وَكَوْنُهُ عِلَّةً غَيْرَ مَنْطُوقٍ بِهِ لَكِنْ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ فَحْوَى الْكَلَامِ. وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] أَيْ: لِبِرِّهِمْ، وَفُجُورِهِمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الذَّمِّ، وَالْمَدْحِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّرْهِيبِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: ذُمَّ الْفَاجِرَ، وَامْدَحْ الْمُطِيعَ، وَعَظِّمْ الْعَالِمَ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّعْلِيلُ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ بِهِ، وَهَذَا قَدْ يُسَمَّى إيمَاءً، وَإِشَارَةً كَمَا يُسَمَّى فَحْوَى الْكَلَامِ، وَلَحْنَهُ، وَإِلَيْك الْخِيَرَةُ فِي تَسْمِيَتِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى جِنْسِهِ، وَحَقِيقَتِهِ.

[الضَّرْبُ الرَّابِعُ فَهْمُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ الْمَنْطُوقِ]
بِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَمَقْصُودِهِ، كَفَهْمِ تَحْرِيمِ الشَّتْمِ، وَالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] ، وَفَهْمِ تَحْرِيمِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِحْرَاقِهِ، وَإِهْلَاكِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] ، وَفَهْمِ مَا وَرَاءَ الذَّرَّةِ، وَالدِّينَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] ، وَقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْكَ} [آل عمران: 75] ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: مَا أَكَلْت لَهُ بُرَّةً، وَلَا شَرِبْتُ لَهُ شَرْبَةً، وَلَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ حَبَّةً، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى. قُلْنَا: لَا حَجْرَ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُفْهَمَ أَنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الْأَدْنَى لَا يُحَصِّلُ هَذَا التَّنْبِيهَ مَا لَمْ يُفْهَمْ الْكَلَامُ، وَمَا سِيقَ لَهُ، فَلَوْلَا مَعْرِفَتُنَا بِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِتَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ وَاحْتِرَامِهِمَا لَمَا فَهِمْنَا مَنْعَ الضَّرْبِ، وَالْقَتْلِ مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ، إذْ قَدْ يَقُولُ السُّلْطَانُ إذَا أَمَرَ بِقَتْلِ مَلِكٍ: لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ لَكِنْ اُقْتُلْهُ، وَقَدْ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مَالَ فُلَانٍ، وَيَكُونُ قَدْ أَحْرَقَ مَالَهُ فَلَا يَحْنَثُ. فَإِنْ قِيلَ: الضَّرْبُ حَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى التَّأْفِيفِ؛ لِأَنَّ التَّأْفِيفَ إنَّمَا حُرِّمَ لِلْإِيذَاءِ، وَهَذَا الْإِيذَاءُ فَوْقَهُ.
قُلْنَا: إنْ أَرَدْتَ بِكَوْنِهِ قِيَاسًا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَأَمُّلٍ، وَاسْتِنْبَاطِ عِلَّةٍ فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ مَسْكُوتٌ فُهِمَ مِنْ مَنْطُوقٍ فَهُوَ صَحِيحٌ بِشَرْطِ أَنْ يُفْهَمَ أَنَّهُ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ أَوْ هُوَ مَعَهُ، وَلَيْسَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 264
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست