responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 259
وَقَدْ تَكَلَّفَ قَوْمٌ عَنْ هَذَا كُلِّهِ جَوَابًا فَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً بَلْ هُوَ مَجَازٌ، وَهَذَا خِلَافُ اللُّغَةِ فَإِنَّ " إلَّا " فِي اللُّغَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي هَذَا اسْتِثْنَاءً، وَلَكِنْ تَقُولُ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَّزَ اسْتِثْنَاءَ الْمَكِيلِ مِنْ الْمَوْزُونِ، وَعَكْسَهُ، وَلَمْ يُجَوِّزْ اسْتِثْنَاءَ غَيْرِ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ مِنْهُمَا فِي الْأَقَارِيرِ، وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
، وَالْأَوْلَى التَّجْوِيزُ فِي الْأَقَارِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ مُعْتَادًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَجَبَ قَبُولُهُ لِانْتِظَامِهِ، نَعَمْ اسْمُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ؟ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَقِيقَةٌ.، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ مَجَازٌ؛؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الثَّنْيِ تَقُولُ: ثَنَيْتُ زَيْدًا عَنْ رَأْيِهِ، وَثَنَيْتُ الْعِنَانَ، فَيُشْعِرُ الِاسْتِثْنَاءُ بِصَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ صَوْبِهِ الَّذِي كَانَ يَقْتَضِيهِ سِيَاقُهُ، فَإِذَا ذُكِرَ مَا لَا دُخُولَ لَهُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا فَمَا صَرَفَ الْكَلَامَ، وَلَا ثَنَاهُ عَنْ وَجْهِ اسْتِرْسَالِهِ، فَتَسْمِيَتُهُ اسْتِثْنَاءً تَجَوُّزٌ بِاللَّفْظِ عَنْ مَوْضِعِهِ فَتَكُونُ " إلَّا " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى " لَكِنْ ".
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا، فَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَتْهُ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْإِقْرَارَ، وَالْإِقْرَارُ لَا يَجُوزُ رَفْعُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْطُوقٍ بِهِ لَا يُرْفَعُ، وَلَكِنْ يُتَمَّمُ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الْجُزْءِ مِنْ الْكَلَامِ، وَكَمَا أَنَّ الشَّرْطَ جُزْءٌ مِنْ الْكَلَامِ فَالِاسْتِثْنَاءُ جُزْءٌ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ رَفْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى لِلْكَلَامِ مَعْنًى.
أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ نُصِرْنَا فِي مَوَاضِعِ جَوَازِهِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَقْبِحُ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ، وَتَسْتَحْمِقُ قَوْلَ الْقَائِلِ: رَأَيْتُ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، بَلْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَا يُسْتَحْسَنُ اسْتِثْنَاءُ عَقْدٍ صَحِيحٍ بِأَنْ يَقُولَ: عِنْدِي مِائَةٌ إلَّا عَشَرَةً أَوْ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا بَلْ مِائَةٌ إلَّا خَمْسَةً، وَعَشَرَةٌ إلَّا دَانِقًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] فَلَوْ بَلَغَ الْمِائَةَ لَقَالَ فَلَبِثَ فِيهِمْ تِسْعَمِائَةٍ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كَسْرًا اسْتَثْنَاهُ. قَالَ، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا نَدْرِي اسْتِقْبَاحَهُمْ اطِّرَاحٌ لِهَذَا الْكَلَامِ عَنْ لُغَتِهِمْ أَوْ هُوَ كَرَاهَةٌ، وَاسْتِثْقَالٌ؟ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ كَرَاهَتُهُمْ، وَإِنْكَارُهُمْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَتِهِمْ، وَلَوْ جَازَ فِي هَذَا لَجَازَ فِي كُلِّ مَا أَنْكَرُوهُ، وَقَبَّحُوهُ مِنْ كَلَامِهِمْ.
احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ، وَهَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إذَا جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ، وَلَا قِيَاسَ فِي اللُّغَةِ. ثُمَّ كَيْفَ يُقَاسُ مَا كَرِهُوهُ، وَأَنْكَرُوهُ عَلَى مَا اسْتَحْسَنُوهُ؟ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَالْأَكْثَرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَقَلَّ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَدُّوا الَّتِي نَقَصَتْ تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْحَقِّ قَوَّالَا
، وَالْجَوَابُ
أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ} [المزمل: 3] أَيْ: قُمْ نِصْفَهُ، وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَقَوْلَ الشَّاعِرِ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، إذْ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: أَسْقَطْت تِسْعِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْمِائَةِ؛ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْأَوْلَى عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَكْرَهًا، فَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً فَلَا يَلْزَمُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إلَّا دِرْهَمٌ، وَلَا سَبَبَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا، كَقَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تُسْعَ سُدُسِ رُبْعِ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ هَذَا قَبِيحٌ لَكِنْ يَصِحُّ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحْسَنُ اسْتِثْنَاءُ الْكَسْرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً فَلَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ بَلْ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 259
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست