responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 253
وَالْخَلْقُ هُوَ التَّقْدِيرُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] أَيْ: الْمُقَدِّرِينَ، وَهَكَذَا أَبَدًا تَأْوِيلُ مَا خَالَفَ دَلِيلَ الْعَقْلِ أَوْ خَالَفَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عُمُومِهِ. أَمَّا الشَّرْعِيَّاتُ فَإِذَا تَعَارَضَ فِيهَا دَلِيلَانِ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِيلَ الْجَمْعُ أَوْ يُمْكِنَ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمْعُ لِكَوْنِهِمَا مُتَنَاقِضَيْنِ كَقَوْلِهِ مَثَلًا «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَلَا تَقْتُلُوهُ. «لَا يَصِحُّ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ» ، " يَصِحُّ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ".
فَمِثْلُ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا، وَالْآخَرُ مَنْسُوخًا، فَإِنْ أَشْكَلَ التَّارِيخُ فَيُطْلَبُ الْحُكْمُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَيُقَدَّرُ تَدَافُعُ النَّصَّيْنِ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَنَتَخَيَّرُ الْعَمَلَ بِأَيِّهِمَا شِئْنَا؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَاتِ أَرْبَعَةٌ: الْعَمَلُ بِهِمَا، وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ، أَوْ اطِّرَاحُهُمَا، وَهُوَ إخْلَاءُ الْوَاقِعَةِ عَنْ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ، أَوْ اسْتِعْمَالُ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَهُوَ تَحَكُّمٌ، فَلَا يَبْقَى إلَّا التَّخَيُّرُ الَّذِي يَجُوزُ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِهِ ابْتِدَاءً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ كَلَّفَنَا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَنَصَّبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَلَجَعَلَ لَنَا إلَيْهِ سَبِيلًا، إذْ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ.
، وَفِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ مَزِيدُ غَوْرٍ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ تَخَيُّرِ الْمُجْتَهِدِ، وَتَحَيُّرِهِ. أَمَّا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِوَجْهٍ مَا فَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ:
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: عَامٌّ، وَخَاصٌّ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» مَعَ قَوْلِهِ: «لَا صَدَقَةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» فَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِ الْقَاضِي أَنَّ التَّعَارُضَ وَاقِعٌ لِإِمْكَانِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا نَسْخًا بِتَقْدِيرِ إرَادَةِ الْعُمُومِ بِالْعَامِّ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُجْعَلَ بَيَانًا، وَلَا يُقَدَّرُ النَّسْخُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ دُخُولِ مَا دُونَ النِّصَابِ تَحْتَ وُجُوبِ الْعُشْرِ ثُمَّ خُرُوجِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّوَهُّمِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمُؤَوَّلُ قَوِيًّا فِي الظُّهُورِ بَعِيدًا عَنْ التَّأْوِيلِ لَا يَنْقَدِحُ تَأْوِيلُهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ، فَكَلَامُ الْقَاضِي فِيهِ أَوْجَهُ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ، وَرِوَايَةُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي قَوْلِهِ: «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» صَرِيحٌ فِي إثْبَاتِ رِبَا الْفَضْلِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» أَيْ: فِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ، وَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ عَلَى سُؤَالٍ خَاصٍّ عَنْ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَوْ حَاجَةٍ خَاصَّةٍ حَتَّى يَنْقَدِحَ الِاحْتِمَالُ، وَالْجَمْعُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ مُمْكِنٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ، وَإِنْ بَعُدَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ النَّسْخِ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: قَطْعُكُمْ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَيْنِ تَحَكُّمٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَاطِعٌ، وَيُخَالِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِلظَّنِّ، وَالتَّحَكُّمُ بِتَقْدِيرٍ لَيْسَ يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، وَلَا ظَنِّيٌّ لَا وَجْهَ لَهُ.
قُلْنَا: يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ ضَرُورَةُ الِاحْتِرَازِ عَنْ النَّسْخِ، فَيَقُولُ: فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَقْدِيرِ النَّسْخِ، وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِهِ ارْتِكَابُ مُحَالٍ، وَلَا مُخَالَفَةُ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَلَا ظَنِّيٍّ؟ ، وَفِيمَا ذَكَرْتُمْ مُخَالَفَةُ صِيغَةِ الْعُمُومِ، وَدَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَهُوَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ، فَمَا هُوَ الْخَوْفُ، وَالْحَذَرُ مِنْ النَّسْخِ، وَإِمْكَانُهُ كَإِمْكَانِ الْبَيَانِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: الْبَيَانُ أَغْلَبُ عَلَى عَادَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ النَّسْخِ، وَهُوَ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِالِاحْتِمَالِ الْأَكْثَرِ؟ وَإِذَا اشْتَبَهَتْ رَضِيعَةٌ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ فَالْأَكْثَرُ حَلَالٌ، وَإِذَا اشْتَبَهَ إنَاءٌ نَجِسٌ بِعَشْرِ أَوَانٍ طَاهِرَةٍ فَلَا تَرْجِيحَ لِلْأَكْثَرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَالدَّلِيلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ وَاحِدًا، وَيُقَدِّرَ حِلَّهُ أَوْ طَهَارَتَهُ؛ لِأَنَّ جِنْسَهُ أَكْثَرُ.
لَكِنَّا نَقُولُ: الظَّنُّ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 253
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست