responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 249
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحَدِيثَ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَسْخًا أَوْ بَيَانًا، وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بَيَانًا فَمُحَالٌ إذْ الْبَيَانُ مَا يَقْتَرِنُ بِالْمُبَيَّنِ، وَمَا يُعَرِّفُهُ الشَّارِعُ أَهْلَ التَّوَاتُرِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ بِهِ.
قُلْنَا: هُوَ بَيَانٌ، وَلَا يَجِبُ اقْتِرَانُ الْبَيَانِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عِنْدَنَا، وَمَا يُدْرِيهِمْ أَنَّهُ وَقَعَ مُتَرَاخِيًا فَلَعَلَّهُ كَانَ مُقْتَرِنًا، وَالرَّاوِي لَمْ يَرْوِ اقْتِرَانَهُ؟ كَيْفَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ وُرُودِ آيَةِ السَّرِقَةِ لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ مِنْ الْحِرْزِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يُلْقِيَهُ إلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ، فَتَحَكُّمٌ، بَلْ إذَا لَمْ يُكَلِّفْهُمْ الْعَلْمَ بَلْ الْعَمَلَ جَازَ تَكْلِيفُهُمْ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ مَا يُدْرِيهِمْ فَلَعَلَّهُ أَلْقَاهُ إلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ فَمَاتُوا قَبْلَ النَّقْلِ أَوْ نَسُوا أَوْ هُمْ فِي الْأَحْيَاءِ لَكِنَّا مَا لَقِينَا مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدًا. حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ أَنَّ الصَّحَابَةَ ذَهَبَتْ إلَيْهِ إذْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُنْكَحُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَخَالَتِهَا، فَخَصَّصُوا بِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وَخَصَّصُوا عُمُومَ آيَةِ الْمَوَارِيثِ بِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ، وَالْعَبْدُ، وَلَا أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَرَفَعُوا عُمُومَ آيَةِ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَرَفَعُوا عُمُومَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى: «حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا» إلَى نَظَائِرَ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ لَا تُحْصَى. الِاعْتِرَاضُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَاطِعًا بِأَنَّهُمْ رَفَعُوا الْعُمُومَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الرَّاوِي، بَلْ رُبَّمَا قَامَتْ الْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ بِأُمُورٍ وَقَرَائِنَ، وَأَدِلَّةٍ سِوَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِ، كَمَا نُقِلَ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ تَحَوَّلُوا عَنْ الْقِبْلَةِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ، وَهُوَ نَسْخٌ لَكِنَّهُمْ لَعَلَّهُمْ عَرَفُوا صِدْقَهُ بِرَفْعِ صَوْتِهِ فِي جِوَارِ النَّبِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْكَذِبُ فِيهِ.
حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِالتَّوَقُّفِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَنَّ الْعُمُومَ وَحْدَهُ دَلِيلٌ مَقْطُوعُ الْأَصْلِ مَظْنُونُ الشُّمُولِ، وَالْخَبَرُ وَحْدَهُ مَظْنُونُ الْأَصْلِ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى، وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّرْجِيحِ فَيَتَعَارَضَانِ، وَالرُّجُوعُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ أَوْلَى لِأَنَّ سُكُونَ النَّفْسِ إلَى عَدْلٍ وَاحِدٍ فِي الرِّوَايَةِ لِمَا هُوَ نَصٌّ كَسُكُونِهَا إلَى عَدْلَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ، أَمَّا اقْتِضَاءُ آيَةِ الْمَوَارِيثِ الْحُكْمَ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ، وَالْكَافِرِ ضَعِيفٌ وَكَلَامُ مَنْ يَدَّعِي إجْمَالَ الْعُمُومِ قَوِيٌّ وَاقِعٌ وَكَلَامُ مَنْ يُنْكِرُ خَبَرَ الْوَاحِدِ، وَلَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ وَلِذَلِكَ تُرِكَ تَوْرِيثُ فَاطِمَةَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» الْحَدِيثَ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ تَقْدِيرَ كَذِبِ أَبِي بَكْرٍ وَكَذِبِ كُلِّ عَدْلٍ أَبْعَدُ فِي النَّفَسِ مِنْ تَقْدِيرِ كَوْنِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ مَسُوقَةً لِتَقْدِيرِ الْمَوَارِيثِ لَا لِلْقَصْدِ إلَى بَيَانِ حُكْمِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْقَاتِلُ، وَالْعَبْدُ، وَالْكَافِرُ، وَهَذِهِ النَّوَادِرُ.

[مَسْأَلَة قِيَاسُ نَصٍّ خَاصٍّ إذَا قَابَلَ عُمُومَ نَصٍّ آخَرَ]
فَالذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ حُجَّةٌ لَوْ انْفَرَدَ، وَالْقِيَاسَ حُجَّةٌ لَوْ انْفَرَدَ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ: فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْعُمُومِ، وَذَهَبَ الْجُبَّائِيُّ، وَابْنُهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَالْفُقَهَاءِ إلَى تَقْدِيمِ الْعُمُومِ، وَذَهَبَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ إلَى التَّوَقُّفِ لِحُصُولِ التَّعَارُضِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومِ جَلِيُّ الْقِيَاسِ دُونَ خَفِيِّهِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: يُقَدَّمُ الْقِيَاسُ عَلَى عُمُومٍ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ دُونَ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ حُجَجُ مَنْ قَدَّمَ الْعُمُومَ ثَلَاثٌ: الْأُولَى: أَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعٌ، وَالْعُمُومَ أَصْلٌ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ فَرْعٌ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 249
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست