responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 248
بَيْنَ أَنْ لَا يُعْتَادَ الْفِعْلُ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْتَادَ إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى الشَّيْءِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَعَادَةُ النَّاسِ تُؤَثِّرُ فِي تَعْرِيفِ مُرَادِهِمْ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ، حَتَّى إنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْمَائِدَةِ يَطْلَبُ الْمَاءَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْعَذْبُ الْبَارِدُ لَكِنْ لَا تُؤَثِّرُ فِي تَغْيِيرِ خِطَابِ الشَّارِعِ إيَّاهُمْ.
التَّاسِعُ: مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ إذَا كَانَ بِخِلَافِ الْعُمُومِ فَيُجْعَلُ مُخَصِّصًا عِنْدَ مَنْ يَرَى قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَقَدْ أَفْسَدْنَاهُ وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُ الرَّاوِي يَرْفَعُ الْعُمُومَ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ مَذْهَبَ الرَّاوِي إذَا خَالَفَ رِوَايَتَهُ يُقَدَّمُ مَذْهَبُهُ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا أَفْسَدْنَاهُ، بَلْ الْحُجَّةُ فِي الْحَدِيثِ، وَمُخَالَفَتُهُ، وَتَأْوِيلُهُ، وَتَخْصِيصُهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَنَظَرٍ لَا نَرْتَضِيهِ فَلَا نَتْرُكَ الْحُجَّةَ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بَلْ لَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا، وَأَخَذَ الرَّاوِي بِأَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَوْقِيفٍ فَلَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ مَا لَمْ يَقُلْ: إنِّي عَرَفْتُهُ مِنْ التَّوْقِيفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَوَاهُ رَاوِيَانِ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِاحْتِمَالٍ آخَرَ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَتْبَعَهُمَا أَصْلًا.
الْعَاشِرُ: خُرُوجُ الْعَامِّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى تَخَصُّصِهِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُرْضٍ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَاخْتِتَامُ هَذَا الْكِتَابِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ فِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَبِالْقِيَاسِ.

[مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ إذَا وَرَدَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْقُرْآنِ]
اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِهِ لِتَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ: فَقَالَ بِتَقْدِيمِ الْعُمُومِ قَوْمٌ، وَبِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ قَوْمٌ، وَبِتَقَابُلِهِمَا، وَالتَّوَقُّفُ إلَى ظُهُورِ دَلِيلٍ آخَرَ قَوْمٌ وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ كَانَ الْعُمُومُ مِمَّا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ فَقَدْ ضَعُفَ وَصَارَ مَجَازًا فَالْخَبَرُ أَوْلَى مِنْهُ، وَإِلَّا فَالْعُمُومُ أَوْلَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَرْجِيحِ الْعُمُومِ بِمَسْلَكَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ عُمُومَ الْكِتَابِ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَخَبَرَ الْوَاحِدِ مَظْنُونٌ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ؟ الِاعْتِرَاضُ مِنْ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ دُخُولَ أَصْلِ مَحَلِّ الْخُصُوصِ فِي الْعُمُومِ وَكَوْنَهُ مُرَادًا بِهِ مَظْنُونٌ ظَنًّا ضَعِيفًا يَسْتَنِدُ إلَى صِيغَةِ الْعُمُومِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْوَاقِفِيَّةُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُجْمَلٌ فَكَيْفَ يَنْفَعُ كَوْنُ أَصْلِ الْكِتَابِ مَقْطُوعًا بِهِ فِيمَا لَا يُقْطَعُ بِكَوْنِهِ مُرَادًا بِلَفْظِهِ؟
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ لَلَزِمَ تَكْذِيبُ الرَّاوِي قَطْعًا، وَلَا شَكَّ فِي إمْكَانِ صِدْقِهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ نَقَلَ النَّسْخَ فَصِدْقُهُ أَيْضًا مُمْكِنٌ، وَلَا يُقْبَلُ. قُلْنَا: لَا جَرَمَ لَا يُعَلَّلُ رَدُّهُ بِكَوْنِ الْآيَةِ مَقْطُوعًا بِهَا لِأَنَّ دَوَامَ حُكْمِهَا إنَّمَا يُقْطَعُ بِهِ بِشَرْطِ أَلَّا يَرِدَ نَاسِخٌ فَلَا يَبْقَى الْقَطْعُ مَعَ وُرُودِهِ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ مَنَعَ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّخْصِيصِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ مَقْطُوعٌ بِهَا ثُمَّ تُرْفَعُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِدَ سَمْعٌ، وَمَاءُ الْبَحْرِ مَقْطُوعٌ بِطَهَارَتِهِ إذَا جُعِلَ فِي كُوزٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِدَ سَمْعٌ بِأَنْ يُخْبِرَ عَدْلٌ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْعُمُومُ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِدَ خَاصٌّ.
الرَّابِعُ: أَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَقْطُوعٌ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالُ فِي صِدْقِ الرَّاوِي، وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْنَا فِي اعْتِقَادِ صِدْقِهِ؛ فَإِنَّ سَفْكَ الدَّمِ، وَتَحْلِيلَ الْبُضْعِ وَاجِبٌ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ قَطْعًا مَعَ أَنَّا لَا نَقْطَعُ بِصِدْقِهِمَا، فَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَكَوْنُ الْعُمُومِ مُسْتَغْرِقًا غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرٍ لَا يُقَابِلُ عُمُومَ الْقُرْآنِ. قُلْنَا: يُقَابِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومٍ لَا يُخَصِّصُهُ حَدِيثٌ نَصَّ بِنَقْلِهِ عَدْلٌ، وَلَا فَصْلَ بَيْن الْكَلَامَيْنِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 248
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست