responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 242
لِأَنَّهُ قَدْ خَصَّ الْمُسَافِرَ، وَالْعَبْدَ، وَالْحَائِضَ، وَالْمَرِيضَ بِأَحْكَامٍ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، دُخُولَهُمْ تَحْتَ الْعُمُومِ حَيْثُ يَعُمُّ الْخِطَابُ كَذَلِكَ هَهُنَا.

[مَسْأَلَةٌ الْمُخَاطَبَةُ شِفَاهًا لَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهَا]
بِالْإِضَافَةِ إلَى جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ، فَإِذَا قَالَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْحَاضِرَاتِ: " طَلَّقْتُكُنَّ " وَلِجَمِيعِ عَبِيدِهِ " أَعْتَقْتُكُمْ " فَإِنَّمَا يَكُونُ مُخَاطِبًا مِنْ جُمْلَتِهِمْ مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَقَصَدَ خِطَابَهُ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِصُورَتِهِ، وَشَمَائِلِهِ، وَالْتِفَاتِهِ، وَنَظَرِهِ، فَقَدْ يَحْضُرُهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْغِلْمَانِ مِنْ الْبَالِغِينَ، وَالصِّبْيَانِ فَيَقُولُ " ارْكَبُوا مَعِي " وَيُرِيدُ بِهِ أَهْلَ الرُّكُوبِ مِنْهُمْ دُونَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، فَلَا يَتَنَاوَلُ خِطَابُهُ إلَّا مَنْ قَصَدَهُ، وَلَا يُعْرَفُ قَصْدُهُ إلَّا بِلَفْظِهِ أَوْ شَمَائِلِهِ الظَّاهِرَةِ فَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهَا، فَنَقُولُ عَلَى هَذَا كُلُّ حُكْمٍ يَدُلُّ بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] ، وَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] فَهُوَ خِطَابٌ مَعَ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِثْبَاتُهُ فِي حَقِّ مَنْ يُحَدِّثَ بَعْدَهُ بِدَلِيلٍ زَائِدٍ دَالٍّ عَلَى أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ فِي زَمَانِهِ فَهُوَ دَائِمٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يَقْتَضِ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ ذَلِكَ، وَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ أَفَادَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَائِدَةَ الْعُمُومِ لِاقْتِرَانِ الدَّلِيلِ الْآخَرِ بِهَا لَا بِمُجَرَّدِ الْخِطَابِ فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْخِطَابُ خَاصًّا مَعَ شَخْصٍ مُشَافَهَةً أَوْ مَعَ جَمْعٍ فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] وَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بُعِثْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى الْأَحْمَرِ، وَالْأَسْوَدِ» وَقَوْلِهِ: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» .
وقَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197] ، وَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] ، وَأَمْثَالِهِ؟ قُلْنَا: لَا، بَلْ عَرَفَ الصَّحَابَةُ عُمُومَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي عَصْرِهِ لِلْأَعْصَارِ وَكُلُّهَا بِقَرَائِنَ كَثِيرَةٍ، وَعَرَفْنَا ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ضَرُورَةً، وَمُجَرَّدُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ قَاطِعَةً فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَبْعُوثًا إلَى الْكَافَّةِ فَلَا يَلْزَمُ تَسَاوِيهِمْ فِي الْأَحْكَامِ، فَهُوَ مَبْعُوثٌ إلَى الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالْحَائِضِ، وَالطَّاهِرِ، وَالْمَرِيضِ، وَالصَّحِيحِ لِيُعَرِّفَهُمْ أَحْكَامَهُمْ الْمُخْتَلِفَةَ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] أَيْ: يُنْذِرَ كُلَّ قَوْمٍ بَلْ كُلَّ شَخْصٍ بِحُكْمِهِ فَيَكُونُ شَرْعُهُ عَامًّا وَقَوْلُهُ: حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عَصْرَهُ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوْجُودِينَ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ بَعْدَهُ. فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ التَّخْصِيصَ خَصَّصَ وَقَالَ «تُجْزِئُ عَنْك، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» ، وَحَلَّلَ الْحَرِيرَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَاصَّةً؟ قُلْنَا: لَا، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ حَيْثُ قَدَّمَ عُمُومًا أَوْ حَيْثُ تَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يُلْحِقُونَ غَيْرَهُ بِهِ لِلتَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ مَعَهُ خِطَابٌ مَعَ الْأُمَّةِ لِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

[مَسْأَلَةٌ مِنْ الصِّيَغِ مَا يُظَنُّ عُمُومًا وَهِيَ إلَى الْإِجْمَالِ أَقْرَبُ]
مِثْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ فِي إيجَابِ الْوِتْرِ بِقَوْلِهِ {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] مَصِيرًا إلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَالْخَيْرُ اسْمٌ عَامٌّ، وَإِخْرَاجُ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهِ لَا يَمْنَعُ التَّمَسُّكَ بِهِ وَكَمَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَنْعِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ مَنْعَ السَّلْطَنَةِ إلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنْ الدِّيَةِ، وَالضَّمَانِ، وَالشَّرِكَةِ، وَطَلَبِ الثَّمَنِ، وَغَيْرِهِ أَوْ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 242
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست