responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 218
لِعَبْدِهِ: " صُمْ غَدًا "، وَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ نَاجِزٌ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا بِبَقَاءِ الْعَبْدِ إلَى غَدٍ، وَلَكِنْ اتَّفَقَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُقَيَّدَ بِالشَّرْطِ أَمْرٌ حَاصِلٌ نَاجِزٌ فِي الْحَالِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ تَحَقُّقُ الشَّرْطِ مَجْهُولًا عِنْدَ الْآمِرِ، وَالْمَأْمُورِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَا؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: " صُمْ إنْ صَعِدْتَ إلَى السَّمَاءِ أَوْ إنْ عِشْتَ أَلْفَ سَنَةٍ "، فَلَيْسَ هَذَا بِأَمْرٍ، أَيْ: هَذِهِ الصِّيغَةُ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ حَقِيقَةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَقُومُ بِالنَّفْسِ، وَيُسَمَّى أَمْرًا، وَلَوْ قَالَ: " صُمْ إنْ كَانَ الْعَالَمُ مَخْلُوقًا أَوْ كَانَ اللَّهُ مَوْجُودًا " فَهَذَا أَمْرٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الشَّرْطِ فِي شَيْءٍ فَإِنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ، وَلَا يُوجَدَ، فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ عَدَمِهِ مُنَافِيًا وُجُودَ الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِالشَّرْطِ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِعَوَاقِبِ الْأَمْرِ فَالشَّرْطُ فِي أَمْرِهِ مُحَالٌ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ جَهْلَ الْمَأْمُورِ شَرْطٌ أَمَّا جَهْلُ الْآمِرِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِقَوْلِ نَبِيٍّ صَادِقٍ أَنَّ عَبْدَهُ يَمُوتُ قَبْلَ رَمَضَانَ فَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، مَهْمَا جَهِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ لَهُ فِيهِ لُطْفٌ يَدْعُوهُ إلَى الطَّاعَاتِ، وَيَزْجُرُهُ عَنْ الْمَعَاصِي، وَرُبَّمَا كَانَ لُطْفًا لِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِحَثٍّ أَوْ زَجْرٍ، وَرُبَّمَا كَانَ امْتِحَانًا لَهُ لِيَشْتَغِلَ بِالِاسْتِعْدَادِ فَيُثَابَ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَيُعَاقَبَ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ أَحَالُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: إذَا شَهِدَ الْعَبْدُ هِلَالَ رَمَضَانَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِحُكْمِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . لَكِنَّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ الْبَقَاءِ، وَدَوَامِ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّ الْحَيَاةَ، وَالْقُدْرَةَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ فَإِذَا مَاتَ فِي مُنْتَصَفِ الشَّهْرِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالنِّصْفِ الثَّانِي.
وَيَدُلُّكَ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِهِمْ مَسَالِكُ:
الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ كَمَا يَبْلُغُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ، وَيَعْتَقِدَ كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَنْهِيًّا عَنْ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَتْلِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ وَقْتُ صَلَاةٍ، وَلَا زَكَاةٍ، وَلَا حَضَرَ مَنْ يُمْكِنُ قَتْلُهُ، وَالزِّنَا بِهِ، وَلَا حَضَرَ مَالٌ تُمْكِنُ سَرِقَتُهُ، وَلَكِنْ يَعْلَمُ نَفْسَهُ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا بِشَرْطِ التَّمَكُّنِ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِعَوَاقِبِ أَمْرِهِ، وَعِلْمُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِهَا لَا يَدْفَعُ عَنْهُ وُجُوبَ هَذَا الِاعْتِقَادِ.
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ مَا لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَلَيْسَ بِمُتَقَرِّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورَاتِ كَانَ مُتَقَرِّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْمُورًا أَوْ مَنْهِيًّا لِعِلْمِ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ التَّمَكُّنُ، فَيَنْبَغِي أَنْ نَشُكَّ فِي كَوْنِهِ مُتَقَرِّبًا، وَنَتَوَقَّفَ، وَنَقُولَ: إنْ مِتَّ بَعْدَ هَذَا الْعَزْمِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا ثَوَابَ لَكَ لِأَنَّهُ لَا تَقَرُّبَ مِنْكَ، وَإِنْ عِشْتَ، وَتَمَكَّنْتَ تَبَيَّنَّا عِنْدَ ذَلِكَ كَوْنَكَ مُتَقَرِّبًا، وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ،، وَلَا يُعْقَلُ تَثْبِيتُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَالْعَبْدُ يَنْوِي فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَرْضَ الظُّهْرِ، وَرُبَّمَا يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَيُتَبَيَّنُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَلْيَكُنْ شَاكًّا فِي الْفَرْضِيَّةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَمْتَنِعُ النِّيَّةُ فَإِنَّ النِّيَّةَ قَصْدٌ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا إلَى مَعْلُومٍ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ نَوَى فَرْضِيَّةَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ الْأَرْبَعُ فَرِيضَةً، وَهُوَ مُجَوِّزٌ لِلْمَوْتِ، فَكَيْفَ يَنْوِي فَرْضَ مَا هُوَ شَاكٌّ فِيهِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ شَاكًّا فِيهِ بَلْ هُوَ قَاطِعٌ بِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَرْضٌ بِشَرْطِ الْبَقَاءِ، فَالْأَمْرُ بِالشَّرْطِ أَمْرٌ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ، وَالْفَرْضُ بِالشَّرْطِ فَرْضٌ أَيْ: أَنَّهُ مَأْمُورٌ أَمْرَ إيجَابٍ مَنْ عَزَمَ عَلَيْهِ يُثَابُ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 218
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست