responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 199
مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاةِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدْفَعُ هَذَا الظَّاهِرَ.
وَهَذَا أَيْضًا عِنْدَنَا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ مَعْنَى سَدِّ الْخَلَّةِ مَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إيجَابِ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَتَعْيِينُ الشَّاةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعَبُّدِ كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَعَيِّنًا لَكِنَّ الْبَاعِثَ عَلَى تَعْيِينِهِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْأَيْسَرُ عَلَى الْمُلَّاكِ وَالْأَسْهَلُ فِي الْعِبَادَاتِ كَمَا عَيَّنَ ذِكْرَ الْحَجَرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وَأَسْهَلُ، وَكَمَا يَقُولُ الْمُفْتِي لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ: تَصَدَّقْ بِعَشَرَةِ أَمْدَادٍ مِنْ الْبُرِّ؛ لِأَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ وَيُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَوْ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا لَاخْتَارَ الْإِطْعَامَ عَلَى الْإِعْتَاقِ لِيُسْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّاةَ مِعْيَارٌ لِمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا؛ إذْ الْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهَا، وَهِيَ تُعْرَفُ بِنَفْسِهَا فَهِيَ أَصْلٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلَوْ فَسَّرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَلَامَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا وَلَكَانَ حُكْمًا بِأَنَّ الْبَدَلَ يَجْرِي فِي الزَّكَاةِ. فَهَذَا كُلُّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، إنَّمَا تَشْمَئِزُّ عَنْهُ طِبَاعُ مَنْ لَمْ يَأْنَسْ بِتَوَسُّعِ الْعَرَبِ فِي الْكَلَامِ وَظَنَّ اللَّفْظَ نَصًّا فِي كُلِّ مَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْهُ، فَلَيْسَ يُبْطِلُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ لَكِنْ لِقُصُورِ الدَّلِيلِ الَّذِي يُعَضِّدُهُ وَلِإِمْكَانِ كَوْنِ التَّعَبُّدِ مَقْصُودًا مَعَ سَدِّ الْخَلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّاةَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى يَكُونَ لِلتَّسْهِيلِ. ثُمَّ فِي الْجُبْرَانِ رَدَّدَ بَيْنَ شَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَرُدَّهُمْ إلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، وَفِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَرْدُدْ، فَهَذِهِ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى التَّعَبُّدِ، وَالْبَابُ بَابُ التَّعَبُّدِ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَوْلَى.

[مَسْأَلَةٌ تَأْوِيلُ الْآيَةِ فِي مَسْأَلَةِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ]
مَسْأَلَةٌ: يَقْرُبُ مِمَّا ذَكَرْنَا تَأْوِيلُ الْآيَةِ فِي مَسْأَلَةِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ
، فَقَالَ قَوْمٌ: قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ نَصٌّ فِي التَّشْرِيكِ، فَالصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ إبْطَالٌ لَهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا بَلْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا} [التوبة: 59] إلَى قَوْلِهِ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] يَعْنِي أَنَّ طَمَعَهُمْ فِي الزَّكَاةِ مَعَ خُلُوِّهِمْ عَنْ شَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ بَاطِلٌ، ثُمَّ عَدَّدَ شُرُوطَ الِاسْتِحْقَاقِ لِيُبَيِّنَ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ وَمَنْ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ؛ فَهَذَا مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَلِلْقُصُورِ فِي دَلِيلِ التَّأْوِيلِ لَا لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى نَصًّا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّالِثِ أَمَّا بِالْوَضْعِ الثَّانِي فَلَا.

[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا نَصٌّ فِي وُجُوبِ رِعَايَةِ الْعَدَدِ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ قَوْمٌ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] نَصٌّ فِي وُجُوبِ رِعَايَةِ الْعَدَدِ وَمَنْعِ الصَّرْفِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا.
وَقَطَعُوا بِبُطْلَانِ تَأْوِيلِهِ. وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ جِنْسِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ إنْ أُبْطِلَ لِقُصُورِ الِاحْتِمَالِ وَكَوْنِ الْآيَةِ نَصًّا بِالْوَضْعِ الثَّانِي فَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ الْمَسَاكِينَ لِبَيَانِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ، وَمَعْنَاهُ: فَإِطْعَامُ طَعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلَيْسَ هَذَا مُمْتَنِعًا فِي تَوَسُّعِ لِسَانِ الْعَرَبِ، نَعَمْ دَلِيلُهُ تَجْرِيدُ النَّظَرِ إلَى سَدِّ الْخَلَّةِ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْصِدَ الشَّرْعُ ذَلِكَ؛ لِإِحْيَاءِ سِتِّينَ مُهْجَةً تَبَرُّكًا بِدُعَائِهِمْ وَتَحَصُّنًا عَنْ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، وَلَا يَخْلُو جَمْعٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ وَلِيٍّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يُغْتَنَمُ دُعَاؤُهُ؛ وَلَا دَلِيلَ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْمَقْصُودِ فَتَصِيرُ الْآيَةُ نَصًّا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ لَا بِالْوَضْعِ الثَّانِي

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 199
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست