responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 194
الْحَصَادِ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا تَعَسُّفٌ وَظُلْمٌ.
الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّا نُجَوِّزُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُخَاطِبَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الزِّنْجِ وَالتُّرْكِ بِالْقُرْآنِ وَيُشْعِرُهُمْ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَوَامِرَ يُعَرِّفُهُمْ بِهَا الْمُتَرْجِمُ، وَكَيْفَ يَبْعُدُ هَذَا وَنَحْنُ نُجَوِّزُ كَوْنَ الْمَعْدُومِ مَأْمُورًا عَلَى تَقْدِيرِ الْوُجُودِ؟ فَأَمْرُ الْعَجَمِ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَيَانِ أَقْرَبُ. نَعَمْ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ خِطَابًا بَلْ إنَّمَا يُسَمَّى خِطَابًا إذَا فَهِمَهُ الْمُخَاطَبُ، وَالْمُخَاطَبُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَهِمَ أَصْلَ الْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ وَجَهِلَ قَدْرَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْحَصَادِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] مَفْهُومٌ وَتَرَدُّدُهُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ مَعْلُومٌ وَالتَّعْيِينُ مُنْتَظَرٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَجُزْ خِطَابُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ. قُلْنَا: أَمَّا مَنْ لَا يَفْهَمُ فَلَا يُسَمَّى مُخَاطَبًا وَيُسَمَّى مَأْمُورًا كَالْمَعْدُومِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُجُودِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ مَأْمُورٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْبُلُوغِ أَعْنِي مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَبْلُغُ، أَمَّا الَّذِي يَفْهَمُ وَيَعْلَمُ اللَّهُ بِبُلُوغِهِ فَلَا نُحِيلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: إذَا بَلَغْتَ فَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّبَا لَا يُنَافِي مِثْلَ هَذَا الْخِطَابِ، وَإِنَّمَا يُنَافِي خِطَابًا يُعَرِّضُهُ لِلْعِقَابِ فِي الصِّبَا.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُمْ الْخِطَابُ يُرَادُ لِفَائِدَةٍ، وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَبْجَدْ هَوَّزْ وَيُرِيدُ بِهِ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثُمَّ يُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ الْمُجْمَلُ الَّذِي لَا يُفِيدُ.
قُلْنَا: إنَّمَا يَجُوزُ الْخِطَابُ بِمُجْمَلٍ يُفِيدُ فَائِدَةً مَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] يُعْرَفُ مِنْهُ وُجُوبُ الْإِيتَاءِ وَوَقْتُهُ وَأَنَّهُ حَقٌّ فِي الْمَالِ، فَيُمْكِنُ الْعَزْمُ فِيهِ عَلَى الِامْتِثَالِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَلَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ عَصَى. وَكَذَلِكَ مُطْلَقُ الْأَمْرِ إذَا وَرَدَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ لِلْإِيجَابِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي أَوْ أَنَّهُ لِلتَّكْرَارِ أَوْ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ أَفَادَ عِلْمَ اعْتِقَادِ الْأَصْلِ وَمَعْرِفَةَ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] يُعَرِّفُ إمْكَانَ سُقُوطِ الْمَهْرِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ فَلَا يَخْلُو عَنْ أَصْلِ الْفَائِدَةِ، وَإِنَّمَا يَخْلُو عَنْ كَمَالِهَا. وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْعَادَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ " أَبْجَدْ هَوَّزْ " فَإِنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ لَهُ أَصْلًا.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» وَأَرَادَ خَمْسًا مِنْ الْأَفْرَاسِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْبَيَانِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَجْهِيلٌ فِي الْحَالِ وَإِيهَامٌ لِخِلَافِ الْمُرَادِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] يُوهِمُ قَتْلَ كُلِّ مُشْرِكٍ. وَهُوَ خِلَافُ الْمُرَادِ، فَهُوَ تَجْهِيلٌ فِي الْحَالِ. وَلَوْ أَرَادَ بِالْعَشَرَةِ سَبْعَةً كَانَ ذَلِكَ تَجْهِيلًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا إنْ اتَّصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ بِأَنْ يَقُولَ: عَشَرَةً إلَّا ثَلَاثَةً. وَكَذَلِكَ الْعُمُومُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي الْوَضْعِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ بِشَرْطِ قَرِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَأَمَّا إرَادَةُ الْخُصُوصِ دُونَ الْقَرِينَةِ فَهُوَ تَغْيِيرٌ لِلْوَضْعِ؛ وَهَذَا حُجَّةُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُجْمَلِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُمُومَ لَوْ كَانَ نَصًّا فِي الِاسْتِغْرَاقِ لَكَانَ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُجْمَلٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْخُصُوصِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَإِرَادَةِ الْخُصُوصِ بِهِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُعَبِّرُ بِلَفْظِ الْعُمُومِ عَنْ كُلِّ مَا تَمَثَّلَ فِي ذِهْنِهِ وَحَضَرَ فِي فِكْرِهِ، فَيَقُولُ مَثَلًا: لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْجَلَّادُ وَالْقَاتِلُ قِصَاصًا لَمْ يَرِثْ، فَيَقُولُ: مَا أَرَدْتُ هَذَا وَلَمْ يَخْطِرْ لِي بِالْبَالِ. وَيَقُولُ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَيُقَالُ:

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 194
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست