responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 186
الْعُمُومِ وَالْأَمْرِ يَتَعَيَّنُ تَعْرِيفُ الْأَمْرِ وَالِاسْتِغْرَاقِ بِالْقَرَائِنِ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ، وَإِنْ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ كُلَّهُمْ وَجَمِيعَهُمْ فَيَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ عِنْدَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] فَإِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ]
ِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ
اعْلَمْ أَنَّ اسْمَ الْحَقِيقَةِ مُشْتَرَكٌ، إذْ قَدْ يُرَادُ بِهِ ذَاتُ الشَّيْءِ وَحْدَهُ وَيُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ؛ وَلَكِنْ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْأَلْفَاظِ أُرِيدَ بِهِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَوْضُوعِهِ. وَالْمَجَازُ مَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ مَا اُسْتُعِيرَ لِلشَّيْءِ بِسَبَبِ الْمُشَابَهَةِ فِي خَاصِّيَّةٍ مَشْهُورَةٍ كَقَوْلِهِمْ لِلشُّجَاعِ أَسَدٌ وَلِلْبَلِيدِ حِمَارٌ، فَلَوْ سُمِّيَ الْأَبْخَرُ أَسَدًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْبَخَرَ لَيْسَ مَشْهُورًا فِي حَقِّ الْأَسَدِ الثَّانِي: الزِّيَادَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فَإِنَّ الْكَافَ وُضِعَتْ لِلْإِفَادَةِ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيدُ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْوَضْعُ الثَّالِثُ: النُّقْصَانُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ التَّفْهِيمَ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَالْمَعْنَى: وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَهَذَا النُّقْصَانُ اعْتَادَتْهُ الْعَرَبُ فَهُوَ تَوَسُّعٌ وَتَجَوُّزٌ.
وَقَدْ يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِإِحْدَى عَلَامَاتٍ أَرْبَعَ الْأُولَى: أَنَّ الْحَقِيقَةَ جَارِيَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي نَظَائِرِهِ، إذْ قَوْلُنَا عَالِمٌ لَمَّا عُنِيَ بِهِ ذُو عِلْمٍ صَدَقَ عَلَى كُلِّ ذِي عِلْمٍ وَقَوْلُهُ {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْجَمَادَاتِ لِإِرَادَةِ صَاحِبِ الْقَرْيَةِ، وَلَا يُقَالُ: سَلْ الْبِسَاطَ وَالْكُوزَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ سَلْ الطَّلَلَ وَالرَّبْعَ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمَجَازِ الْمُسْتَعْمَلِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْرَفَ بِامْتِنَاعِ الِاشْتِقَاقِ عَلَيْهِ، إذْ الْأَمْرُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي حَقِيقَتِهِ اُشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُ الْآمِرِ وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الشَّأْنِ مَجَازًا لَمْ يُشْتَقَّ مِنْهُ آمِرٌ، وَالشَّأْنُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إذَا جَاءَ أَمْرُنَا} [هود: 40] الثَّالِثَةُ: أَنْ تَخْتَلِفَ صِيغَةُ الْجَمْعِ عَلَى الِاسْمِ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا، إذْ الْأَمْرُ الْحَقِيقِيُّ يُجْمَعُ عَلَى أَوَامِرَ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الشَّأْنُ يُجْمَعُ عَلَى أُمُورٍ. الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْحَقِيقِيَّ إذَا كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْغَيْرِ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِيمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَعَلِّقٌ كَالْقُدْرَةِ إذَا أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ كَانَ لَهَا مَقْدُورٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَقْدُورُ كَالنَّبَاتِ الْحَسَنِ الْعَجِيبِ، إذْ يُقَالُ: اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ إلَى عَجَائِبِ مَقْدُورَاتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَعَلِّقٌ، إذْ النَّبَاتُ لَا مَقْدُورَ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلّ مَجَازٍ فَلَهُ حَقِيقَةٌ.
وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كُلِّ حَقِيقَةٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَجَازٌ، بَلْ ضَرْبَانِ مِنْ الْأَسْمَاءِ لَا يَدْخُلُهُمَا الْمَجَازُ، الْأَوَّلُ: أَسْمَاءُ الْأَعْلَامِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو؛ لِأَنَّهَا أَسَامٍ وُضِعَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذَّوَاتِ لَا لِلْفَرْقِ فِي الصِّفَاتِ. نَعَمْ الْمَوْضُوعُ لِلصِّفَاتِ قَدْ يُجْعَلُ عَلَمًا فَيَكُونُ مَجَازًا، كَالْأَسْوَدِ بْنِ الْحَارِثِ إذْ لَا يُرَادُ بِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى الصِّفَةِ مَعَ أَنَّهُ وُضِعَ لَهُ فَهُوَ مَجَازٌ.
أَمَّا إذَا قَالَ: قَرَأْتُ الْمُزَنِيَّ وَسِيبَوَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ كِتَابَيْهِمَا فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ حَذْفِ اسْمِ الْكِتَابِ، مَعْنَاهُ: قَرَأْتُ كِتَابَ الْمُزَنِيِّ، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ مَجَازٌ بِالْمَعْنَى الثَّالِث الْمَذْكُور لِلْمَجَازِ الثَّانِي: الْأَسْمَاء الَّتِي لَا أَعَمّ مِنْهَا وَلَا أَبْعَد، كَالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُول وَالْمَدْلُول وَالْمَذْكُور، إذْ لَا شَيْءَ إلَّا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا عَنْ شَيْءٍ؟ هَذَا تَمَامُ الْمُقَدِّمَةِ.

[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفَنِّ الْأَوَّلِ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُطْبِ الثَّالِثِ فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ]
[مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ]
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفَنِّ الْأَوَّلِ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُطْبِ الثَّالِثِ فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ. وَلِنَشْتَغِلْ بِالْمَقَاصِدِ وَهِيَ كَيْفِيَّةُ اقْتِبَاسِ الْأَحْكَامِ مِنْ الصِّيَغِ وَالْأَلْفَاظِ الْمَنْطُوقِ بِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ.

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 186
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست