responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 178
ضَرَرَانِ قَصَدَ الشَّرْعُ دَفْعَ أَشَدِّ الضَّرَرَيْنِ وَأَعْظَمَ الشَّرَّيْنِ وَمَا يُؤَدِّيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا يُخَاطِرُ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لَوْ خَلَتْ خُطَّةُ الْإِسْلَامِ عَنْ ذِي شَوْكَةٍ يَحْفَظُ نِظَامَ الْأُمُورِ وَيَقْطَعُ مَادَّةَ الشُّرُورِ وَكَانَ هَذَا لَا يَخْلُو عَنْ شَهَادَةِ أُصُولٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ عِمَارَةَ الْقَنَوَاتِ وَإِخْرَاجَ أُجْرَةِ الْفِصَادِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَنْجِيزُ خُسْرَانٍ لِتَوَقُّعِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ.
وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَسْلَكَ التَّرْجِيحِ فِي مَسْأَلَةِ التُّرْسِ، لَكِنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْأَمْوَالُ مُبْتَذَلَةٌ يَجُوزُ ابْتِذَالُهَا فِي الْأَغْرَاضِ الَّتِي هِيَ أَهَمُّ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ سَفْكُ دَمٍ مَعْصُومٍ مِنْ غَيْرِ ذَنْبِ سَافِكٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَبِأَيِّ طَرِيقٍ بَلَّغَ الصَّحَابَةُ حَدَّ الشُّرْبِ إلَى ثَمَانِينَ، فَإِنْ كَانَ حَدُّ الشُّرْبِ مُقَدَّرًا فَكَيْفَ زَادُوا بِالْمَصْلَحَةِ؟ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا وَكَانَ تَعْزِيرًا فَلِمَ افْتَقَرُوا إلَى الشُّبَهِ بِحَدِّ الْقَذْفِ؟ قُلْنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا، لَكِنْ ضُرِبَ الشَّارِبُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ فَقُدِّرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ بِأَرْبَعِينَ، فَرَأَوْا الْمَصْلَحَةَ فِي الزِّيَادَةِ فَزَادُوا، وَالتَّعْزِيرَاتُ مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْأَئِمَّةِ، فَكَأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِمُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ.
وَقِيلَ لَهُمْ: اعْمَلُوا بِمَا رَأَيْتُمُوهُ أَصْوَبَ بَعْدَ أَنْ صَدَرَتْ الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَةِ. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُرِيدُوا الزِّيَادَةَ عَلَى تَعْزِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِتَقْرِيبٍ مِنْ مَنْصُوصَاتِ الشَّرْعِ، فَرَأَوْا الشُّرْبَ مَظِنَّةَ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ مَنْ سَكِرَ هَذَى، وَمَنْ هَذَى افْتَرَى، وَرَأَوْا الشَّرْعَ يُقِيمُ مَظِنَّةَ الشَّيْءِ مُقَامَ نَفْسِ الشَّيْءِ كَمَا أَقَامَ النَّوْمَ مُقَامَ الْحَدَثِ، وَأَقَامَ الْوَطْءَ مُقَامَ شَغْلِ الرَّحِمِ، وَالْبُلُوغَ مُقَامَ نَفْسِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ مَظَانُّ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَلَيْسَ مَا ذَكَرُوهُ مُخَالَفَةً لِلنَّصِّ بِالْمَصْلَحَةِ أَصْلًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا قَوْلُكُمْ فِي الْمَصَالِحِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَشْخَاصِ مِثْلِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا إذَا انْدَرَسَ خَبَرُ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ وَقَدْ انْتَظَرَتْ سِنِينَ وَتَضَرَّرَتْ بِالْعُزُوبَةِ، أَيُفْسَخُ نِكَاحُهَا لِلْمَصْلَحَةِ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ إذَا عَقَدَ وَلِيَّانِ أَوْ وَكِيلَانِ نِكَاحَيْنِ، أَحَدُهُمَا سَابِقٌ وَاسْتَبْهَمَ الْأَمْرُ وَوَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيَانِ بَقِيَتْ الْمَرْأَةُ مَحْبُوسَةً طُولَ الْعُمُرِ عَنْ الْأَزْوَاجِ وَمُحَرَّمَةً عَلَى زَوْجِهَا الْمَالِكِ لَهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا تَبَاعَدَ حَيْضُهَا عَشْرَ سِنِينَ وَتَعَوَّقَتْ عِدَّتُهَا وَبَقِيَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ النِّكَاحِ، هَلْ يَجُوزُ لَهَا الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ أَوْ تَكْتَفِي بِتَرَبُّصِ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ وَدَفْعُ ضَرَرٍ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ مَقْصُودٌ شَرْعًا.
قُلْنَا الْمَسْأَلَتَانِ الْأُولَيَانِ مُخْتَلِفٌ فِيهِمَا فَهُمَا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ قَالَ عُمَرُ: " تُنْكَحُ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ انْقِطَاعِ الْخَبَرِ " وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: تَصْبِرُ إلَى قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَوْتِهِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّا إنْ حَكَمْنَا بِمَوْتِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ، إذْ لِانْدِرَاسِ الْأَخْبَارِ أَسْبَابٌ سِوَى الْمَوْتِ لَا سِيَّمَا فِي الْخَامِلِ الذِّكْرِ النَّازِلِ الْقَدْرِ، وَإِنْ فَسَخْنَا فَالْفَسْخُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى مَنْصُوصٍ، وَالْمَنْصُوصُ أَعْذَارٌ وَعُيُوبٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ مِنْ إعْسَارٍ وَجَبٍّ وَعُنَّةٍ، فَإِذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ دَائِمَةً فَغَايَتُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ فِي الْحَضْرَةِ لَا يُؤَثِّرُ فَكَذَلِكَ فِي الْغَيْبَةِ.
فَإِنْ قِيلَ سَبَبُ الْفَسْخِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا وَرِعَايَةُ جَانِبِهِمَا، فَيُعَارِضُهُ أَنَّ رِعَايَةَ جَانِبِهِ أَيْضًا وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُ وَاجِبٌ وَفِي تَسْلِيمِ زَوْجَتِهِ إلَى غَيْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ وَلَعَلَّهُ مَحْبُوسٌ أَوْ مَرِيضٌ مَعْذُورٌ إضْرَارٌ بِهِ فَقَدْ تَقَابَلَ الضَّرَرَانِ وَمَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَقُدُومُ الزَّوْجِ فِيهَا مُمْكِنٌ فَلَيْسَ تَصْفُو هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ عَنْ مُعَارِضٍ.
وَكَذَلِكَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 178
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست