responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 157
مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ يَكُنْ التَّعَلُّقُ بِالْإِجْمَاعِ إذْ مَا مِنْ إجْمَاعٍ إلَّا وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ، فَإِذَا انْقَسَمَ الْإِجْمَاعُ إلَى مَا هُوَ حُجَّةٌ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا فَاصِلَ سَقَطَ التَّمَسُّكُ بِهِ وَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً، فَإِنَّهُ إنْ ظَهَرَ لَنَا الْقَاطِعُ الَّذِي هُوَ مُسْتَنَدُهُمْ فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُسْتَقِلًّا بِذَلِكَ الْقَاطِعِ وَمُسْتَنِدًا إلَيْهِ لَا إلَى الْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إجْمَاعٍ وَإِجْمَاعٍ.
وَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ هَذَا إلَّا مَنْ أَنْكَرَ تَصَوُّرَ الْإِجْمَاعِ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُنَاقِضُ آخِرَ كَلَامِهِ وَلَهُ حَيْثُ قَالَ: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ مُسْتَنَدُهُ الِاجْتِهَادُ. الْمَخْلَصُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: النَّظَرُ إلَى الِاتِّفَاقِ الْأَخِيرِ فَأَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّمَا جُوِّزَ الْخِلَافُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ عَلَى تَعْيِينِ الْحَقِّ فِي وَاحِدٍ. وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ زِيَادَةُ شَرْطٍ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْحُجَجُ الْقَاطِعَةُ لَا تَقْبَلُ الشَّرْطَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ اتِّفَاقًا بَعْدَ اخْتِلَافٍ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ عَنْ الْإِجْمَاعِ الشَّرْطَ الْمُحْتَمَلَ. الْمَخْلَصُ الْخَامِسُ: هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْأَخِيرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا يُحَرِّمُ الْقَوْلَ الْمَهْجُورَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ اخْتِلَافٌ، فَإِذَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً.
وَهَذَا أَيْضًا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» يَحْسِمُ بَابَ الشَّرْطِ وَيُوجِبُ كَوْنَ كُلِّ إجْمَاعٍ حُجَّةً كَيْفَ مَا كَانَ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِجْمَاعَيْنِ حُجَّةً وَيَتَنَاقَضُ، فَلَعَلَّ الْأَوْلَى الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّنَاقُضِ، وَتَصْوِيرُهُ كَتَصْوِيرِ رُجُوعِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَكَتَصْوِيرِ اتِّفَاقِ التَّابِعِينَ عَلَى خِلَافِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ فَكَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا ذَهَبَ جَمِيعُ الْأُمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى الْعَوْلِ إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِلَى مَنْعِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ إلَّا عَلِيًّا، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُمَا الدَّلِيلُ عَلَى الْعَوْلِ وَعَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِمَا الرُّجُوعُ إلَى مُوَافَقَةِ سَائِرِ الْأُمَّةِ، وَكَيْفَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمَا مَا ظَهَرَ لِلْأُمَّةِ؟ وَمَذْهَبُكُمْ يُؤَدِّي إلَى هَذِهِ الْإِحَالَةِ عِنْدَ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ.
قُلْنَا: لَا إشْكَالَ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ إلَّا هَذَا، وَسَبِيلُ قَطْعِهِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الرُّجُوعُ لَوْ ظَهَرَ لَهُمَا وَجْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: يَسْتَحِيلُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمَا وَجْهٌ أَوْ يَرْجِعَا لَا لِامْتِنَاعِهِ فِي ذَاتِهِ لَكِنْ لِإِفْضَائِهِ إلَى مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ سَمْعًا، وَالشَّيْءُ تَارَةً يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ وَتَارَةً لِغَيْرِهِ كَاتِّفَاقِ التَّابِعِينَ عَلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ مُحَالٌ لَا لِذَاتِهِ لَكِنْ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَخْطِئَةِ الصَّحَابَةِ أَوْ تَخْطِئَةِ التَّابِعِينَ كَافَّةً، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ سَمْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى حُكْمٍ ثُمَّ ذَكَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَدِيثًا عَلَى خِلَافِهِ]
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إذَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى حُكْمٍ ثُمَّ ذَكَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَدِيثًا عَلَى خِلَافِهِ وَرَوَاهُ، فَإِنْ رَجَعُوا إلَيْهِ كَانَ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ بَاطِلًا، وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى خِلَافِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُحَالٌ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ يَذْكُرُهُ تَحْقِيقًا، وَإِذَا رَجَعَ هُوَ كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْخَبَرِ، وَهَذَا لَا مَخْلَصَ عَنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فَلْيُعْتَبَرْ. قُلْنَا: عَنْهُ مَخْلَصَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا فَرْضٌ مُحَالٌ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْصِمُ الْأُمَّةَ عَنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى نَقِيضِ الْخَبَرِ أَوْ يَعْصِمُ الرَّاوِي عَنْ النِّسْيَانِ إلَى أَنْ يَتِمَّ الْإِجْمَاعُ.
الثَّانِي: أَنَّا نَنْظُرُ إلَى أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنْ أَصَرُّوا تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَقٌّ وَأَنَّ الْخَبَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ غَلِطَ فِيهِ الرَّاوِي فَسَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست