responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 139
وَ «سَأَلْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ فَأَعْطَانِيهَا» ، وَ «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْكُنَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ» وَ «إنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُبَالِي اللَّهُ بِشُذُوذِ مَنْ شَذَّ» وَ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ» وَرُوِيَ: «لَا يَضُرُّهُمْ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ إلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» .
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ لَمْ تَزَلْ ظَاهِرَةً فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى زَمَانِنَا هَذَا لَمْ يَدْفَعْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا، بَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْ مُوَافِقِي الْأُمَّةِ وَمُخَالِفِيهَا، وَلَمْ تَزَلْ الْأُمَّةُ تَحْتَجُّ بِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ الْحُجَّةِ، وَدَعْوَى التَّوَاتُرِ فِي آحَادِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَنَقْلُ الْآحَادِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ؟ قُلْنَا: فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ الْحُجَّةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ نَدَّعِيَ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَظَّمَ شَأْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَخْبَرَ عَنْ عِصْمَتِهَا عَنْ الْخَطَأِ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَوَاتَرْ آحَادُهَا، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ نَجِدُ أَنْفُسَنَا مُضْطَرِّينَ إلَى الْعِلْمِ بِشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وَسَخَاوَةِ حَاتِمٍ وَفِقْهِ الشَّافِعِيِّ وَخَطَابَةِ الْحَجَّاجِ وَمَيْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَائِشَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَتَعْظِيمِهِ صَحَابَتَهُ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ آحَادُ الْأَخْبَارِ فِيهَا مُتَوَاتِرَةً، بَلْ يَجُوزُ الْكَذِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَوْ جَرَّدْنَا النَّظَرَ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَجْمُوعِ.
وَذَلِكَ يُشْبِهُ مَا يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِ قَرَائِنَ آحَادِهَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ الِاحْتِمَالِ، وَلَكِنْ يَنْتَفِي الِاحْتِمَالُ عَنْ مَجْمُوعِهَا حَتَّى يَحْصُلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ لَا نَدَّعِيَ عِلْمَ الِاضْطِرَارِ بَلْ عِلْمَ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ لَمْ تَزَلْ مَشْهُورَةً بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا فِي إثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ وَلَا يُظْهِرُ أَحَدٌ فِيهَا خِلَافًا وَإِنْكَارًا إلَى زَمَانِ النَّظَّامِ، وَيَسْتَحِيلُ فِي مُسْتَقَرِّ الْعَادَةِ تَوَافُقُ الْأُمَمِ فِي أَعْصَارٍ مُتَكَرِّرَةٍ عَلَى التَّسْلِيمِ لِمَا لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ بِصِحَّتِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الطِّبَاعِ وَتَفَاوُتِ الْهِمَمِ وَالْمَذَاهِبِ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْفَكَّ حُكْمٌ ثَبَتَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ عَنْ خِلَافِ مُخَالِفٍ وَإِبْدَاءِ تَرَدُّدٍ فِيهِ.
الْوَجْهُ: أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَثْبَتُوا بِهَا أَصْلًا مَقْطُوعًا بِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَيَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ التَّسْلِيمُ لِخَبَرٍ يُرْفَعُ بِهِ الْكِتَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ إلَّا إذَا اسْتَنَدَ إلَى مُسْتَنَدٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَأَمَّا رَفْعُ الْمَقْطُوعِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْطُوعٍ فَلَيْسَ مَعْلُومًا، حَتَّى لَا يَتَعَجَّبَ مُتَعَجِّبٌ وَلَا يَقُولَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَرْفَعُونَ الْكِتَابَ الْقَاطِعَ بِإِجْمَاعٍ مُسْتَنِدٍ إلَى خَبَرٍ غَيْرِ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ؟ وَكَيْفَ تَذْهَلُ عَنْهُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ إلَى زَمَانِ النَّظَّامِ فَيُخْتَصُّ بِالتَّنَبُّهِ لَهُ؟ هَذَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ، وَلِلْمُنْكِرِينَ فِي مُعَارَضَتِهِ ثَلَاثَةُ مَقَامَاتٍ: الرَّدُّ وَالتَّأْوِيلُ وَالْمُعَارَضَةُ
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فِي الرَّدِّ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَسْئِلَةٍ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: لَعَلَّ وَاحِدًا خَالَفَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَرَدَّهَا وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا.
قُلْنَا: هَذَا أَيْضًا تُحِيلُهُ الْعَادَةُ إذْ الْإِجْمَاعُ أَعْظَمُ أُصُولِ الدِّينِ، فَلَوْ خَالَفَ فِيهِ مُخَالِفٌ لَعَظُمَ الْأَمْرُ فِيهِ وَاشْتَهَرَ الْخِلَافُ، إذْ لَمْ يَنْدَرِسْ خِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ وَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ وَحَدِّ الشُّرْبِ. فَكَيْفَ انْدَرَسَ الْخِلَافُ فِي أَصْلٍ عَظِيمٍ يَلْزَمُ فِيهِ التَّضْلِيلُ وَالتَّبْدِيعُ لِمَنْ أَخْطَأَ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ؟ وَكَيْفَ اشْتَهَرَ خِلَافُ النَّظَّامِ مَعَ سُقُوطِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 139
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست