responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 137
فَمَا نَقَلَهُ الْآحَادُ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَلَا مَانِعَ، فَإِنَّ مَا أَشَاعَهُ كَانَ يَجُوزُ أَنْ لَا يُتَعَبَّدَ فِيهِ بِالْإِشَاعَةِ، وَمَا وَكَّلَهُ إلَى الْآحَادِ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُتَعَبَّدَ فِيهِ بِالْإِشَاعَةِ، لَكِنَّ وُقُوعَ هَذِهِ الْأُمُورِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَبُّدَ وَقَعَ كَذَلِكَ فَمَا كَانَ يُخَالِفُ أَمَرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. هَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْأَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ أُصُولِ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَاعُ وَفِيهِ أَبْوَابٌ]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ كَوْن الْإِجْمَاع حُجَّةً عَلَى مُنْكِرِيهِ]
الْأَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ أُصُولِ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَاعُ وَفِيهِ أَبْوَابٌ
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي إثْبَاتِ كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى مُنْكِرِيهِ. وَمَنْ حَاوَلَ إثْبَاتَ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً افْتَقَرَ إلَى تَفْهِيمِ لَفْظِ الْإِجْمَاعِ أَوَّلًا وَبَيَانِ تَصَوُّرِهِ ثَانِيًا وَبَيَانِ إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ثَالِثًا وَبَيَانِ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً رَابِعًا. أَمَّا تَفْهِيمُ لَفْظِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ اتِّفَاقَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ فِي وَضْعِ اللُّغَةِ الِاتِّفَاقُ وَالْإِزْمَاعُ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ أَزْمَعَ وَصَمَّمَ الْعَزْمَ عَلَى إمْضَاءِ أَمْرٍ يُقَالُ: أَجْمَعَ، وَالْجَمَاعَةُ إذَا اتَّفَقُوا يُقَالُ: أَجْمَعُوا. وَهَذَا يَصْلُحُ لِإِجْمَاعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلِلِاتِّفَاقِ فِي غَيْرِ أَمْرِ الدَّيْنِ، لَكِنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَ اللَّفْظَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَذَهَبَ النَّظَّامُ إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ قَامَتْ حُجَّتُهُ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ، لَكِنَّهُ سَوَّاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ إذْ لَمْ يَرَ الْإِجْمَاعَ حُجَّةً، وَتَوَاتَرَ إلَيْهِ بِالتَّسَامُعِ تَحْرِيمُ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، فَقَالَ: هُوَ كُلُّ قَوْلٍ قَامَتْ حُجَّتُهُ.

أَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ تَصَوُّرُهُ: فَدَلِيلُ تَصَوُّرِهِ وُجُودُهُ، فَقَدْ وَجَدْنَا الْأُمَّةَ مُجْمِعَةً عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ، وَأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ، وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ تَصَوُّرُهُ وَالْأَمَةُ كُلُّهُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِاتِّبَاعِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ وَمُعَرَّضُونَ لِلْعِقَابِ بِمُخَالَفَتِهَا؟ فَكَمَا لَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِتَوَافُقِ الدَّوَاعِي فَكَذَلِكَ عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَاتِّقَاءِ النَّارِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأُمَّةُ مَعَ كَثْرَتِهَا وَاخْتِلَافِ دَوَاعِيهَا فِي الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ وَالْعِنَادِ فِيهِ كَيْفَ تَتَّفِقُ آرَاؤُهَا؟ فَذَلِكَ مُحَالٌ مِنْهَا كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَكْلِ الزَّبِيبِ مَثَلًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. قُلْنَا: لَا صَارِفَ لِجَمِيعِهِمْ إلَى تَنَاوُلِ الزَّبِيبِ خَاصَّةً، وَلِجَمِيعِهِمْ بَاعِثٌ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، كَيْفَ وَقَدْ تُصُوِّرَ إطْبَاقُ الْيَهُودِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ، فَلِمَ لَا يُتَصَوَّرُ إطْبَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْحَقِّ؟ وَالْكَثْرَةُ إنَّمَا تُؤْثَرُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ وَالدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ، وَمُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ فِي الْأَكْثَرِ نُصُوصٌ مُتَوَاتِرَةٌ وَأُمُورٌ مَعْلُومَةٌ ضَرُورَةً بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَالْعُقَلَاءُ كُلُّهُمْ فِيهِ عَلَى مَنْهَجٍ وَاحِدٍ. نَعَمْ هَلْ يُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ قِيَاسٍ؟ ذَلِكَ فِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.

أَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ تَصَوُّرُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَوْ تُصُوِّرَ إجْمَاعُهُمْ فَمَنْ الَّذِي يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ مَعَ تَفَرُّقِهِمْ فِي الْأَقْطَارِ؟ فَنَقُولُ: يُتَصَوَّرُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِمُشَافَهَتِهِمْ إنْ كَانُوا عَدَدًا يُمْكِنُ لِقَاؤُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ عُرِفَ مَذْهَبُ قَوْمٍ بِالْمُشَافَهَةِ وَمَذْهَبُ الْآخَرِينَ بِأَخْبَارِ التَّوَاتُرِ عَنْهُمْ كَمَا عَرَفْنَا أَنَّ مَذْهَبَ جَمِيعِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْعُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ وَبُطْلَانُ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَمَذْهَبُ جَمِيعِ النَّصَارَى التَّثْلِيثُ، وَمَذْهَبُ جَمِيعِ الْمَجُوسِ التَّثْنِيَةُ. فَإِنْ قِيلَ: مَذْهَبُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَنِدٌ إلَى قَائِلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ أَنْ يُعْلَمَ وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ النَّصَارَى يَسْتَنِدُ إلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَمَّا قَوْلُ جَمَاعَةٍ لَا يَنْحَصِرُونَ كَيْفَ يُعْلَمُ؟ قُلْنَا وَقَوْلُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمُورِ الدِّينِ يَسْتَنِدُ إلَى مَا فَهِمُوهُ مِنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 137
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست