responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 122
اعْلَمْ أَنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَهُ شُبْهَتَانِ:
الشُّبْهَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُمْ: لَا مُسْتَنَدَ فِي إثْبَاتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ إلَّا الْإِجْمَاعَ، فَكَيْفَ يَدَّعِي ذَلِكَ وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا وَقَدْ رَدَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ؟ فَمِنْ ذَلِكَ تَوَقُّفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَبُولِ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ حَيْثُ سَلَّمَ عَنْ اثْنَتَيْنِ حَتَّى سَأَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَشَهِدَا بِذَلِكَ وَصَدَّقَاهُ، ثُمَّ قَبِلَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ.
وَمِنْ ذَلِكَ رَدُّ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَبَرَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مِنْ مِيرَاثِ الْجَدِّ حَتَّى أَخْبَرَهُ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. وَمِنْ ذَلِكَ رَدُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ خَبَرَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَا رَوَاهُ مِنْ اسْتِئْذَانِهِ الرَّسُولَ فِي رَدِّ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَطَالَبَاهُ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَهُ بِذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ رَدِّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَبَرَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى شَهِدَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَمِنْ ذَلِكَ رَدُّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَبَرَ أَبِي سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ فِي قِصَّةِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّفُ عَلَى الْحَدِيثِ. وَمِنْ ذَلِكَ رَدُّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. وَظَهَرَ مِنْ عُمَرَ نَهْيُهُ لِأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ الْحَدِيثِ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ. وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَدًا فِي الرَّاوِي لَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّوَاتُرَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا فَيَنْتَظِرُوا التَّوَاتُرَ.
لَكِنَّا نَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا سَأَلُوا عَنْهُ: الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَاطِعٌ فِي عَمَلِهِمْ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ رَدٌّ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ تَقْتَضِي الرَّدَّ وَلَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْأَصْلِ، كَمَا أَنَّ رَدَّهُمْ بَعْضَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَتَرْكَهُمْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ وَرَدَّ الْقَاضِي بَعْضَ أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْأَصْلِ. وَنَحْنُ نُشِيرُ إلَى جِنْسِ الْمَعَاذِيرِ فِي رَدِّ الْأَخْبَارِ وَالتَّوَقُّفِ فِيهَا: أَمَّا تَوَقُّفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فَيَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَوَّزَ الْوَهْمَ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ الْجَمْعِ وَبَعْدَ انْفِرَادِهِ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَعَ غَفْلَةِ الْجَمِيعِ إذْ الْغَلَطُ عَلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ الْغَفْلَةِ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَحَيْثُ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْوَهْمِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ عُلِمَ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ تَوَقُّفِهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ وُجُوبَ التَّوَقُّفِ فِي مِثْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ لَصَارَ التَّصْدِيقُ مَعَ سُكُوتِ الْجَمَاعَةِ سُنَّةً مَاضِيَةً، فَحَسَمَ سَبِيلَ ذَلِكَ
الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا لَوْ عُلِمَ صِدْقًا لَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ وَاشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُمْ فَأُلْحِقَ بِقَبِيلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ، وَالْأَقْوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. نَعَمْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهَذَا مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَدَ الشَّهَادَةِ فَيَلْزَمُهُ اشْتِرَاطُ ثَلَاثَةٍ وَيَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ فِي جَمْعٍ يَسْكُتُ عَلَيْهِ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ.
أَمَّا تَوَقُّفُ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ فَلَعَلَّهُ كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ اقْتَضَى التَّوَقُّفَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، أَوْ لِيَنْظُرَ أَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرٌّ أَوْ مَنْسُوخٌ أَوْ لِيَعْلَمَ هَلْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِثْلُ مَا عِنْدَهُ. لِيَكُونَ الْحُكْمُ أَوْكَدَ أَوْ خِلَافَهُ فَيَنْدَفِعَ، أَوْ تَوَقَّفَ فِي انْتِظَارِ اسْتِظْهَارٍ بِزِيَادَةٍ كَمَا يَسْتَظْهِرُ الْحَاكِمُ بَعْدَ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى جَزْمِ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يُصَادِفْ الزِّيَادَةَ لَا عَلَى عَزْمِ الرَّدِّ أَوْ أَظْهَرَ التَّوَقُّفَ لِئَلَّا يَكْثُرَ الْإِقْدَامُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ تَسَاهُلٍ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ ثَبَتَ مِنْهُ قَطْعًا قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ.
وَأَمَّا رَدُّ حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي حَقِّ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَلِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ إثْبَاتِ حَقٍّ لِشَخْصٍ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ، أَوْ تَوَقَّفَ لِأَجْلِ قَرَابَةِ عُثْمَانَ مِنْ الْحَكَمِ وَقَدْ كَانَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 122
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست