responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 107
فَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْعِلْمُ بِوَاسِطَةٍ لَكِنَّهَا جَلِيَّةٌ فِي الذِّهْنِ حَاضِرَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ قِيلَ سِتَّةُ وَثَلَاثُونَ هَلْ هُوَ نِصْفُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ؟ يُفْتَقَرُ فِيهِ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ حَتَّى يُعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَنْقَسِمُ بِجُزْأَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ أَحَدُهُمَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ؛ فَإِذًا الْعِلْمُ بِصِدْقِ خَبَرِ التَّوَاتُرِ يَحْصُلُ بِوَاسِطَةِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ لَيْسَ بِأَوْلَى.
وَهَلْ يُسَمَّى ضَرُورِيًّا هَذَا رُبَّمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الِاصْطِلَاحُ. وَالضَّرُورِيُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَوْلَى لَا عَمَّا نَجِدُ أَنْفُسَنَا مُضْطَرِّينَ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْعُلُومَ الْحِسَابِيَّةَ كُلَّهَا ضَرُورِيَّةٌ وَهِيَ نَظَرِيَّةٌ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا نَظَرِيَّةً أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَوَّلِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِصِدْقِ خَبَرِ التَّوَاتُرِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْعِلْمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ التَّجْرِبَةِ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِاطِّرَادِ الْعَادَاتِ، كَقَوْلِنَا: الْمَاءُ مُرْوٍ، وَالْخَمْرُ مُسْكِرٌ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ.
فَإِنْ قِيلَ لَوْ اسْتَدَلَّ مُسْتَدِلٌّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ بِأَنَّهُ كَانَ ضَرُورِيًّا لِعِلْمِنَا بِالضَّرُورَةِ كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا وَلَمَا تُصُوِّرَ الْخِلَافُ فِيهِ فَهَذَا الِاسْتِدْلَال صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ قُلْنَا: إنْ كَانَ الضَّرُورِيُّ عِبَارَةً عَمَّا نَجِدُ أَنْفُسَنَا مُضْطَرِّينَ إلَيْهِ فَبِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنَّا مُضْطَرُّونَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عِبَارَةً عَمَّا يَحْصُلُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَى تَأَمُّلٍ وَيَقَعُ الشَّكُّ فِيهِ، كَمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ نَعْتَقِدَ شَيْئًا عَلَى الْقَطْعِ وَنَتَرَدَّدُ فِي أَنَّ اعْتِقَادَنَا عِلْمٌ مُحَقَّقٌ أَمْ لَا.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ التَّوَاتُرِ]
ِ. شُرُوطِ التَّوَاتُرِ. وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ ظَنٍّ، فَإِنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ لَوْ أَخْبَرُونَا عَنْ طَائِرٍ أَنَّهُمْ ظَنُّوهُ حَمَامًا أَوْ عَنْ شَخْصٍ أَنَّهُمْ ظَنُّوهُ زَيْدًا لَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ حَمَامًا وَبِكَوْنِهِ زَيْدًا، وَلَيْسَ هَذَا مُعَلَّلًا، بَلْ حَالُ الْمُخْبَرِ لَا تَزِيدُ عَلَى حَالِ الْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ لَنَا الْعِلْمَ بِخَبَرِهِمْ وَإِنْ كَانَ عَنْ ظَنٍّ وَلَكِنَّ الْعَادَةَ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ بِذَلِكَ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُمْ ضَرُورِيًّا مُسْتَنِدًا إلَى مَحْسُوسٍ؛ إذْ لَوْ أَخْبَرَنَا أَهْلُ بَغْدَادَ عَنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَعَنْ صِدْقِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْعِلْمُ، وَهَذَا أَيْضًا مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْعِلْمِ فِي حَقِّنَا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَوِيَ طَرَفَاهُ وَوَاسِطَتُهُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَفِي كَمَالِ الْعَدَدِ، فَإِذَا نَقَلَ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ وَتَوَالَتْ الْأَعْصَارُ وَلَمْ تَكُنْ الشُّرُوطُ قَائِمَةً فِي كُلِّ عَصْرٍ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ؛ لِأَنَّ خَبَرَ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ خَبَرٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْيَهُودِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِي نَقْلِهِمْ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكْذِيبَ كُلِّ نَاسِخٍ لِشَرِيعَتِهِ، وَلَا بِصِدْقِ الشِّيعَةَ وَالْعَبَّاسِيَّةِ وَالْبَكْرِيَّةِ فِي نَقْلِ النَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ أَوْ الْعَبَّاسِ أَوْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ النَّاقِلِينَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْقَرِيبَةِ، لِأَنَّ بَعْضَ هَذَا وَضَعَهُ الْآحَادُ أَوَّلًا ثُمَّ أَفْشَوْهُ ثُمَّ كَثُرَ النَّاقِلُونَ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَهُ، وَالشَّرْطُ إنَّمَا حَصَلَ فِي بَعْضِ الْإِعْصَارِ فَلَمْ تَسْتَوِ فِيهِ الْأَعْصَارُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ التَّصْدِيقُ بِخِلَافِ وُجُودِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَحَدِّيهِ بِالنُّبُوَّةِ وَوُجُودِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَانْتِصَابُهُمَا لِلْإِمَامَةِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَمَّا تَسَاوَتْ فِيهِ الْأَطْرَافُ وَالْوَاسِطَةُ حَصَلَ لَنَا عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ لَا نَقْدِرُ عَلَى تَشْكِيكِ أَنْفُسنَا فِيهِ، وَنَقْدِرُ عَلَى التَّشْكِيكِ فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَفِي نَصِّ الْإِمَامَةِ.

[مَسْأَلَةٌ عَدَدُ الْمُخْبِرِينَ]
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: فِي الْعَدَدِ، وَتَهَذُّبِ الْغَرَضِ مِنْهُ بِرَسْمِ مَسَائِلَ:
مَسْأَلَةٌ: عَدَدُ الْمُخْبِرِينَ
يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ نَاقِصٌ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَإِلَى مَا هُوَ كَامِلٌ وَهُوَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 107
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست