responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : الآمدي، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 120
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.
احْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ بِأَنَّ فِعْلَ الْمَنْدُوبِ يُسَمَّى طَاعَةً بِالِاتِّفَاقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِذَاتِ الْفِعْلِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ وَخُصُوصِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا كَانَ طَاعَةً بِتَقْدِيرِ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلَا لِصِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنَ الْحَوَادِثِ وَإِلَّا كَانَ كُلُّ حَادِثٍ طَاعَةً، وَلَا لِكَوْنِهِ مُرَادًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا كَانَ كُلُّ مُرَادِ الْوُقُوعِ طَاعَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا لِكَوْنِهِ مُثَابًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ طَاعَةً وَإِنْ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ، وَلَا لِكَوْنِهِ مَوْعُودًا بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَرَدَ فِيهِ وَعْدٌ لَتَحَقَّقَ لِاسْتِحَالَةِ الْخُلْفِ فِي خَبَرِ الشَّارِعِ، وَالثَّوَابُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَى ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةً لِمَا فِيهِ مِنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ؛ فَإِنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ يُسَمَّى طَاعَةً وَلِهَذَا يُقَالُ: فُلَانٌ مُطَاعُ الْأَمْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(
وَلَوْ كُنْتَ ذَا أَمْرٍ مُطَاعٍ لَمَا بَدَا ... تَوَانٍ مِنَ الْمَأْمُورِ فِي كُلِّ أَمْرِكَا
) .
كَيْفَ وَقَدْ شَاعَ وَذَاعَ إِطْلَاقُ أَهْلِ الْأَدَبِ قَوْلَهُمْ بِانْقِسَامِ الْأَمْرِ إِلَى أَمْرِ إِيجَابٍ وَأَمْرِ نَدْبٍ.
فَإِنْ قِيلَ: أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةً لِكَوْنِهِ مُقْتَضٍ وَمَطْلُوبًا مِمَّنْ لَهُ الطَّلَبُ وَالِاقْتِضَاءُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا، ثُمَّ لَوْ كَانَ فِعْلُهُ طَاعَةً لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: أُمِرَ فَعَصَى، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(
أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي
) .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» "، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَرِيرَةَ وَقَدْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ: " «لَوْ رَاجَعْتِيهِ. فَقَالَتْ: بِأَمْرِكَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ» " نَفَى الْأَمْرَ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ فِيهِمَا مَنْدُوبٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مَأْمُورًا.

اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : الآمدي، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 120
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست