responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 297
امْتِثَالُهُ بِعِتْقِ الْبَعْضِ، وَأَيْضًا لَا يَشُكُّ عَارِفٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: جَاءَنِي رِجَالٌ، وَجَاءَنِي كُلُّ الرِّجَالِ، وَجَمِيعُ الرِّجَالِ، فَرْقًا ظَاهِرًا، وَهُوَ دَلَالَةُ الثَّانِي عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ دُونَ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ إِذَا أَرَادُوا التَّعْبِيرَ عَنِ الِاسْتِغْرَاقِ جَاءُوا بِلَفْظِ كُلٌّ، وَجَمِيعٌ، وَمَا يُفِيدُ مَفَادَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكَانَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُمَا عِنْدَ إِرَادَتِهِمْ لِلِاسْتِغْرَاقِ عَبَثًا.
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَيْسَ بَعْدَ كُلٌّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَعَمُّ مِنْهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ مُبْتَدَأً بِهَا أَوْ تَابِعَةً، تَقُولُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَجَاءَنِي الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُؤَكَّدَ بِهِ عَامٌّ وَهِيَ تَشْمَلُ الْعُقَلَاءَ، وَغَيْرَهُمْ وَالْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ، وَالْمُفْرَدَ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعَ فَلِذَلِكَ كَانَتْ أَقْوَى صِيَغِ الْعُمُومِ، وَتَكُونُ فِي الْجَمِيعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، تَقُولُ كُلُّ النِّسَاءِ، وَكُلُّ الْقَوْمِ، وَكُلُّ رَجُلٍ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ: كُلُّ رَجُلٍ: كُلُّ رِجَالٍ، فَأَقَامُوا رَجُلًا مَقَامَ رِجَالٍ؛ لِأَنَّ رَجُلًا شَائِعٌ في الجنس، والرجال الجنس، ولا يؤكد بها المثنى استغناء عنه بكل، وَلَا يُؤَكَّدُ بِهَا إِلَّا ذُو أَجْزَاءٍ، وَلَا يُقَالُ: جَاءَ زَيْدٌ كُلُّهُ. انْتَهَى.
وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ النَّحْوِ وَالْبَيَانِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَقَدَّمَ النَّفْيُ عَلَى كُلٌّ، وَبَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَ هِيَ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى حَرْفِ النَّفْيِ نَحْوَ: كُلُّ الْقَوْمِ لَمْ يَقُمْ أَفَادَتِ التَّنْصِيصَ عَلَى انْتِفَاءِ قِيَامِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَإِنْ تَقَدَّمَ النَّفْيُ عَلَيْهَا مِثْلَ: لَمْ يَقُمْ كُلُّ الْقَوْمِ لَمْ تَدُلَّ إِلَّا عَلَى نَفْيِ الْمَجْمُوعِ، وَذَلِكَ بصدق بِانْتِفَاءِ الْقِيَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ عُمُومَ السَّلْبِ وَالثَّانِي سَلْبَ الْعُمُومِ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُحْكَمُ فِيهِ بِالسَّلْبِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ، وَالثَّانِيَ لَمْ يُفِدِ الْعُمُومَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ إِنَّمَا أَفَادَ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ بَعْضِهِمْ.
قَالَ "الْقَرَافِيُّ"*: وَهَذَا شَيْءٌ اخْتُصَّتْ بِهِ كُلٌّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ صِيَغِ الْعُمُومِ، قَالَ: وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ، وَأَصْلُهَا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ" لَمَّا قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ[1]. انتهى.

* في "أ": الفراء.

[1] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، كتاب الأذان، باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس "714". مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له "573". والنسائي في السنن، كتاب السهو، باب ما يفعل من سلم في ركعتين ناسيًا وتكلم "1225" "3/ 22". الترمذي، كتاب الصلاة باب ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر "399". مالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيًا "1/ 93". أبو داود، كتاب الصلاة، باب السهو في السجدتين "1008"، وابن حبان في الصحيح "2249".
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست