اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 292
قَالُوا: لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إِلَى الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ لِتَعَذُّرِ جَمْعِ الْآحَادِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ وَالْإِفْهَامُ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ لَا تَضْرِبْ أَحَدًا، فُهِمَ مِنْهُ الْعُمُومُ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ وَاحِدًا عُدَّ مُخَالِفًا، وَالتَّبَادُرُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ وَالنَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً فَلِلْعُمُومِ صِيغَةٌ، وَأَيْضًا لَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِمِثْلِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [1] و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [2]، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَحْتَجُّونَ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ "بمثل"* عند الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِنْهُ مَا ثَبَتَ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: "لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِي شَأْنِهَا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} " [3] وما ثابت أَيْضًا مِنِ احْتِجَاجِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالْعُدُولُ إِلَى التَّيَمُّمِ مَعَ شِدَّةِ الْبَرْدِ. فَقَالَ سَمِعْتُ الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} [4] فَقَرَّرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[5]؛ وَكَمْ يَعُدُّ الْعَادُّ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَادِّ.
وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّهُ إنما فهم بِالْقَرَائِنِ جَوَابٌ سَاقِطٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَابِ[6] مِنَ المالكية، ومحمد بن شجاع البلخي[7] مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ، وَأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الصِّيَغِ مَوْضُوعٌ فِي الخصوص، وهو أقل الجمع أما
* في "أ": عند. [1] جزء من الآية "38" من سورة المائدة. [2] جزء من الآية "2" من سورة النور. [3] الآيتان هما "7-8" من سورة الزلزلة. والحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الشرب والمساقاة، باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار "1/ 2371". مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة "987".النسائي في السنن، كتاب الخيل "3565" "6/ 216". مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد "2/ 444". والبيهقي في السنن، كتاب الزكاة، باب من رأى في الخيل صدقة "4/ 119". ابن حبان في صحيحه "4672". [4] جزء من الآية "29" من سورة النساء. [5] أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة باب إذ خاف الجنب البرد أيتيمم "334"، والحاكم في المستدرك في الطهارة "1/ 177". والبيهقي في السنن في الطهارة باب التيمم في السفر إذا خاف الموت أو العلة من شدة البرد 1/ 226. وعبد الرزاق في المصنف "878". وابن حبان في صحيحه "1315". [6] لم أجد ترجمته فيما بين يدي من المصادر. [7] الثلجي، ويقال ابن الثلجي، أبو عبد الله البغدادي الحنفي، فقيه، أهل العراق في وقته والمقدم في الفقه والحديث وقراءة القرآن مع ورع وعبادة، توفي سنة ست وستين ومائتين، من آثاره: "المضاربة" "تصحيح الآثار" "الرد على المشبهة". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "12/ 379"، الجواهر المضية "3/ 173".
اسم الکتاب : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول المؤلف : الشوكاني الجزء : 1 صفحة : 292