اسم الکتاب : منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر المؤلف : على عبد الباسط مزيد الجزء : 1 صفحة : 158
وروى البخاري وآخرون غيره بسند صحيح عن أيوب، عن عكرمة: أن عليًّا حرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم أنا بالنار، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تعذبوا بعذاب الله"، وكنت قاتلهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه". فبلغ ذلك عليًّا فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغواص على الْهَنَات[1].
وقد خلَّف ابن عباس تراثًا ضخمًا من العلم وكمًّا هائلًا من الفقه.
قال ابن حزم في كتاب "الإحكام"[2]: جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون أحد أئمة الإسلام فتاوى ابن عباس في عشرين كتابًا.
وعن عكرمة قال: كان ابن عباس في العلم بحرًا ينشق له الأمر من الأمور، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم ألهمه الحكمة وعلمه التأويل"، فلما عمي، أتاه الناس من أهل الطائف ومعهم علم من علمه -أو قال: كتب من كتبه- فجعلوا يستقرئونه، وجعل يُقدِّم ويؤخر، فلما رأى ذلك قال: إني قد تَلِهْتُ من مصيبتي هذه، فمن كان عنده علم من علمي، فيلقرأ عليَّ، فإن إقراري له كقراءتي عليه،
قال: فقرءوا عليه[3]. [1] أخرجه البخاري "6/ 106" في الجهاد: باب لا يعذب بعذاب الله، و"12/ 237" في استتابة المريدين: باب حكم المرتد والمرتدة، والنسائي "7/ 104" في تحريم الدم: باب الحكم في المرتد، من طرق عن أيوب، عن عكرمة. دون قوله: "فبلغ ذلك ... "، وأخرجه أبو داود "4351" في أول الحدود، والحاكم "3/ 538، 539" وفيه: "فبلغ ذلك عليًّا فقال: ويح ابن عباس". قال الخطابي: قوله: "ويح ابن عباس" لفظه لفظ الدعاء عليه ومعناه المدح له والإعجاب بقوله، وهذا كقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أبي بصير: "ويل أمه مسعر حرب"، وكقول عمر -رضي الله عنه- حين أعجبه قول الوادعي في تفضيل سُهمان الخيل على المقاريف: "هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به" يريد: ما أعلمه، أو ما أصوب رأيه، ولفظ الترمذي "1458" في الحدود: "فبلغ ذلك عليًّا فقال: صدق ابن عباس"، ولفظ البلاذري "3/ 35": "فبلغ ذلك عليًّا فقال: لله در ابن عباس". [2] الإحكام في أصول الأحكام "5/ 92"، ونقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء "3/ 358". [3] سير أعلام النبلاء "3/ 354، 355"، وقال الذهبي عقبه: تلهت: تحيرت، والأصل: ولهت، كما قيل في وجاه تجاه. وفي لسان العرب مادة "تله" التله: الحيرة، تله الرجل يتله تلهًا: حار، ورأيته يَتَتَلَّه: أي يتردد متحيرًا. وقيل: أصل التله بمعنى الحيرة: الوله، قلبت الواو ياء، وقد وله يوله، وتله يتله، وقيل: كان في الأصل: ائتله يأتله، فأدغمت الواو في التاء فقيل: اتَّله يتَّله، ثم حذفت التاء فقيل تَلِه يتلَه، كما قالوا: تَخِذ يتْخذ، وتقي يتقى، والأصل فيهما: اتَّخذ يتَّخذ، واتقى يتقي. وقال الأزهري: تَلِهتُ كذا وتلهت عنه: أي ضللته وأُنْسِيتُه.
اسم الکتاب : منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر المؤلف : على عبد الباسط مزيد الجزء : 1 صفحة : 158