اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 5
هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا"[1]. فإن الدعوة إلى الهدى لا تقتصر على دعوة اللسان، وإنما تكون برسم الطريق إلى الخير والإغراء بالسير فيه، وهو في مجال العناية بالسنة يكون بنشر علومها ومعارفها، والتنبيه إلى مدارسها المختلفة ورجالها، وآثارهم النافعة المثمرة في ميادينها المتعددة.
على أنني أعتذر عما عسى أن يكون فرط مني من خطأ غير مقصود، أو تقصير فيما لم يبلغه وسعي واجتهادي.
ولعل الناظر في هذا المجهود يرى فيه ما يكشف عن حسن النية ومواصلة الجهد الذي أرجو أن يكون وحده موضع الرضا والتقدير، وسبيلًا للصفح عن التقصير.
وأسأل الله أن ينفعنا بالقرآن الكريم، وبالسنة النبوية المطهرة، وبكل ما يتصل بهما دراسة وعملًا، وأن يكتب لنا النجاح في كل ما نزاوله في أمر يتعلق بهما، إنه سميع مجيب، وهو نعم المول ونعم النصير،
القاهرة في رمضان 1402هـ
يوليو 1982م
محمد رشاد محمد خليفة [1] أخرجه البخاري.
ثم كان أتباع التابعين ومن جاء بعدهم يتناقلون رواية الحديث، ويتدارسونه بينهم، ويعملونه للناس، ويفقهونهم فيه، وكانت الرحلة في طلب العلم من مصر وإليها من العوامل المؤثرة في الرواية وازدهارها، فنبغ في مصر أئمة وظهر فحول، أخذ عنهم البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاح، بل كان من مصر بعض أصحاب هذه الصحاح، فالنسائي صاحب السنن الكبرى والصغرى كان من أهل مصر وفيها يقيم.
ولم تنقطع مدارسة الحديث تحملًا وأداء في مصر منذ أكرمها الله بالفتح الإسلامي طيلة عصر الرواية، حتى إذا جاء عصر التدوين كان علماء مصر من أسبق الناس فيه، فقد عرف العالم الإسلامي من علماء مصر الإمام النسائي صاحب السنن، والطحاوي صاحب معاني الآثار وشرحه، كما عرف غيرهما من أساطين العلم وجهابذة السنة، كان المرجع إليهم في كل مهم من علوم الحديث.
وكانت المساجد هي مراكز الإشعاع في كافة أنحاء البلاد، فيها يجلس الشيوخ للدرس والإسماع، ويحضر التلاميذ للتحصيل والاستماع، وفيما يتخرج النابهون في كل علم وفن، وإليها يفد الطالبون للفتوى، والراغبون في المعرفة والفقه في أصول الدين، وما يكاد الناس يتسامعون بنبوغ شيخ في علوم السنة حتى يحج إليه طلاب الحديث من كل مكان، يأخذونه عنه، ويتلقون منه، ويستجيزونه في المسموع والمكتوب، ثم ينصرفون إلى غيره من الشيوخ أملا في الحصول على المزيد.
وكانت هذه البيوت الإلهية منتشرة في طول البلاد وعرضها، تغص دائمًا بحلقات العلم، وتزخر بطلاب المعرفة.
ثم بدأ السلاطين والأمراء في مصر يبنون المدارس، ويعدونها لاستقبال الطلاب، ويرتبون الأرزاق لشيوخها والقائمين بالتدريس فيها، ويجعلون بعضها لدراسة الحديث وبعضها لدراسة الفقه وغير ذلك.
نقل السيوطي في كتابه حسن المحاضرة[1] عن ابن خلكان قال: لما ملك صلاح الدين بن أيوب الديار المصرية لم يكن بها شيء من المدارس، فإن الدولة العبيدية كان مذهبها مذهب الرافضة والشيعة، فلم يكونوا يقولون بهذه الأشياء، فبنى السلطان صلاح الدين بالقرافة الصغرى المدرسة المجاورة للإمام الشافعي، وبنى مدرسة مجاورة للمشهد الحسيني بالقاهرة، وجعل دار سعيد السعداء -خادم الخلفاء المصرين- خانقاه[2] وجعل دار عباس الوزير العبيدي مدرسة للحنفية [1] حسن المحاضرة ج2 ص256. [2] الخانقاء جمعها خوانقن وكذلك الرباطات والزوايا: معاهد دينية إسلامية للرجال والنساء، أنشئت لإيواء المنقطعين للعلم والزهاد والعباد.
اسم الکتاب : مدرسة الحديث في مصر المؤلف : محمد رشاد خليفة الجزء : 1 صفحة : 5