وذكر الخطيبُ في "تاريخ بغداد" خروجَه إلى الكوفة في قصَّةٍ وقعت له مع أبي العبَّاس بن عُقْدَة، فقال: «أخبرنا البَرْقانيُّ، قال: سمعتُ أبا الحسن الدارقطنيَّ يقول: كتبتُ ببغدادَ من أحاديثِ السُّودانىِّ (1) أحاديثَ تفرَّد بها، ثم مَضَيتُ إلى الكوفةِ لأسمعَ منه، فجئتُ إليه وعنده أبو العباس بنُ عُقدَة، فدفعتُ إليه الأحاديثَ في ورقةٍ، فنظر فيها أبو العبَّاس، ثم رمى بها واستَنْكَرَها وأبى أن يقرأَها، وقال: هؤلاءِ- البغداديين- يجيئوننا بما لا نَعرفُه. قال أبو الحسن: ثم قرأ أبو العبَّاس عليه فمَضى في جُملةِ ما قرأه حديثٌ منها، فقلتُ له: هذا الحديثُ من جُملةِ الأحاديثِ، ثم مضى آخرُ، فقلتُ: وهذا أيضًا من جُملتِها، ثم مضى ثالثٌ، فقلت: وهذا أيضاً منها، وانصرف، وانقطَعتُ عن العَوْدِ إلى المجلسِ؛ لحُمَّى نالَتْنى، فبينما أنا في الموضِعِ الذي كنتُ نزَلْتُه إذا أنا بداقٍّ يَدُقُّ عليَّ البابَ، فقلت: مَنْ هذا؟ فقال: ابنُ سعيد، فخرجتُ وإذا بأبي العباس، فوقعتُ في صدره أقبِّلُه، وقلت: يا سيدي لمَ تجَشَّمتَ المجيء؟ فقال: ما عَرَفناك إلا بعد انصِرافِك، وجعل يَعتذرُ إليَّ، ثم قال: ما الذي أخَّرك عن الحُضور؟ فذكرتُ له: أنِّي حُمِمتُ، فقال: تحضُر المجلسَ لتقرأ ما أحببتَ، فكنتُ بعدُ إذا حضَرتُ أكرمَني ورفعَني في المجلسِ، أو كما قال» (2) .
(1) هو: المحدِّث المُعَمَّر محمد بن القاسم بن زكريا، أبو عبد الله، المحاربي السوداني. ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (15/73) .
(2) "تاريخ بغداد" (12/37) .