أَحَادِيثُ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ[1] عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَأْمُرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا يُنْمَى ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
= وأما من زعم أن إيراده في صحيحه دليل على أنه على شرطه، فهذا أيضاً ليس بصحيح، لأنا أوضحنا لك بالدليل أن دأبه في صحيحه دأب الترمذي. والحاكم، ألا ترى ينقلون التصحيح لكل حديث على حدة، فكما أن سكوت الترمذي. والحاكم لا يدل على الصحة، بل على الضعف فليكن ابن خزيمة كذلك أيضاً، والله أعلم.
فإن قيل: قال الحافظ في الدراية ص 70: حديث وائل بن حجر، قال: صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، أخرجه ابن خزيمة، وهو في مسلم دون: على صدره، اهـ. واستدل به المباركفوري، بأن حديث ابن خزيمة بالإسناد والمتن موجود في مسلم بدون الزيادة: على صدره، وإسناد مسلم صحيح، فليكن إسناد ابن خزيمة كذلك، قلنا: هذه مغلطة وجور عن الطريق، لأنه لو ذكر المتن مع السند، ثم قال: هذا في مسلم لأمكن أن يقال: هذا، وإن لم يكن بينا في هذه الصورة أيضاً، لأنهم يقولون ذلك إذا اتحد المخرج مع باقي الإسناد، وأما إذا لم يمس الإسناد أصلاً، وذكر المتن، فكلا لا يراد به الإسناد في هذه الصورة، انظر إلى ما قال الحافظ في الفتح ص 186 - ج 2: وحديث وائل عند أبي داود. والنسائي، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ من الساعد، وصححه ابن خزيمة، وغيره، وأصله في مسلم بدون الزيادة، اهـ. فإن مفاد هذا القول بعينه مفاد ما استدل صاحب العون، ولكن لم يرد به الحافظ أن إسناد أبي داود. والنسائي هو إسناد مسلم من أوله إلى آخره، ولو سلمنا أن إسناد زيادة حديث وائل هو الإسناد الذي أخرج به مسلم، أصل الحديث. لكان هذا أدّلّ دليل على أن الزيادة غلط، وهم فيه الراوي، ولو ثقة، لأنا على يقين من أن شيخاً واحداً من مسلم. وابن خزيمة لم يكن ليضن بهذه الزيادة عن مسلم، ويذكر عند ابن خزيمة فقط، فإذا طرح مسلم هذه الزيادة، وروى الحديث بدونها فليس هذا إلا لما علم أن الزيادة وهم، غلط فيه الراوي.
قال ابن القيم في الهدى ص 96 - ج 1 مجيباً عن اعتراض على مسلم روايته عمن تكلم فيهم: لا عيب على مسلم في إخراجه حديثه، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، اهـ. بل قد يشير مسلم في صحيحه إلى ذلك أيضاً، كما قال في ص 151: في حديث حماد زيادة حرف تركنا ذكره، اهـ.
فإن قيل: قال الشوكاني في النيل: واحتجت الشافعية لما ذهبت إليه، مما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وصححه من حديث وائل قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، اهـ.
قلت: لو سكت الشوكاني عن هذا كما سكت الحافظ ابن حجر. والنووي. وغيرهما ممن نقل هذا الحديث لكان أولى به، لأن الحافظ عنده أصل الكتاب، وملأ تصانيفه من تصحيحات ابن خزيمة، فلو صححها ابن خزيمة لنقلها، والشوكاني ليس عنده هذا الكتاب فلعله اشتبه عليه من قول ابن سيد الناس، أو ظن أن كل حديث أورده ابن خزيمة فقد صححه، وكيفما كان فقوله هذا كقوله في حديث ركانة، حيث قال: في ص 193 - ج 6، قال أبو داود: هذا حسن صحيح، وأنا لم نر هذا التصحيح في شيء من نسخ أبي داود، والله أعلم.
فإذا رأى الحديث على مؤمل بن إسماعيل، وهو قد لينه غير واحد، قال الذهبي في الكاشف: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ، وقيل: دفن كتبه، وحدّث حفظاً، فغلط، وقال ابن حجر في التهذيب: قال البخاري: مؤمل منكر الحديث، وقال ابن سعد: ثقة، كثير الغلط، وقال ابن قانع: صالح يخطئ، وقال الدارقطني: ثقة، كثير الخطأ، وقال في التقريب: صدوق سيء الحفظ، فقال ابن التركماني في الجوهر: قلت: مؤمل هذا، قيل: إنه دفن كتبه، فكان يحدث عن حفظه، فكثر خطأه، كذا ذكر صاحب الكمال وفي الميزان قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: كثير الخطأ. وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير، اهـ. [1] ص 104.